Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/06/2010 G Issue 13761
الاربعاء 19 جمادىالآخرة 1431   العدد  13761
 
إلى الأمام
الانزلاق المخجل نحو التفاهات
د. جاسر عبد الله الحربش

 

أصبح اختفاء المال العام في مشاريع تطمرها وتخفي آثارها رمال البيروقراطية، وضياع الشباب من الجنسين في مستنقعات الضحالة والسخافة، واستهداف البلد بالمخدرات لدرجة الإغراق، أصبحت كل هذه الأمور أجزاء من معايشاتنا وأحاديثنا اليومية، على الأقل فيما يخص العقلاء الخائفين من المستقبل وعليه. استيلاء العنصر الأجنبي على عناصر الرزق وتغلغله في المنازل والحارات والدكاكين بما يترتب على ذلك من إفساد الذمم واهتراء الأخلاق وضياع الأموال، ذلك كله صار مقبولا ويجد من يدافع عنه من رجال الأعمال وبعض أصحاب الفضيلة بتعليلات اقتصادية ودينية، في حين أن تهافت الاستدلالات والتعليلات واضح وماجره علينا من ويلات أخلاقية واقتصادية يقصم الظهر.

منذ عقود وبعض عقلاء القوم يطالبون بتطبيق أولويات التعليم المنتج وبإدخال المرأة المتعلمة المدربة في المنظومة الاقتصادية الإنتاجية. لكن مخرجات التعليم المحلي مازالت ضامرة، والمرأة مازالت عالة على نفسها وأسرتها ومجتمعها وتعتمد في أغلب شئونها على السائق والبائع الأجنبي، ولا يغرنكم وجود بعض النساء المتميزات هنا وهناك فالشاذ القليل يثبت صحة القاعدة.

منذ عقود وصراخ المطالبين برفع مستوى التدريب الإنتاجي النافع وسعودة الوظائف والأعمال يصم الآذان، لكن أنانية رؤوس الأموال وانفصام أصحابها بنذالة عن وطنهم وتاريخهم جعل صراخ المخلصين تذروه رياح الفساد واستمر استيراد العمالة الأجنبية الجاهلة في التضخم، وبالمقابل يبتعد المواطن المسكين يوما بعد يوم عن بلوغ الحياة الكريمة حتى أصبح يخشى أن يتوفاه الله قبل بلوغها. أريد أن أقول: إن القيادة المخلصة موجودة بحمد الله وتحاول مواجهة الخطر بضخ الأموال وتجفيف مكامن الفساد، ولكن مشاكل الشباب (وهم نصف الوطن)، خصوصا المالية والأخلاقية والتربوية صار لها شكل الفك المفترس الذي يهدد المجتمع بالهلاك.

إذن لماذا عدم التناغم بين محاولة القائد المخلص في الإصلاح والتجديد وبين ما تلفظه بعض العقول ورؤوس الأموال من افكار وأفعال فاسدة؟. هل نستطيع أن نتفاءل ونقنع أنفسنا بأننا نلاحظ مايناسب هذه المشاكل من الاهتمام عند من يفترض بهم الاستشراف المسئول للمستقبل من أصحاب الفضيلة والعلماء والمستشارين ومن وضعتهم الدولة في مراكز المسئولية العليا والأمانة الكبرى؟. بصراحة.. أنا غير متفائل وهذه أسبابي أقولها وأجري على الله:

أولا: أصحاب الفضيلة في الهرم الاجتماعي مهمومون بالنظر في أمور زواج القاصرات، وبيع المرأة للمرأة، وإرضاع أم الدار للغريب ليصبح في مقام المحرم القريب، وفي التراشق اللفظي حول تعريفات الخلوة والاختلاط، وفي الجدل عن السائق في السيارة هل يعتبر في خلوة مع أهل البيت في غياب رب البيت، وعلى هذا فقس وسجل يا تاريخ ماشئت من توافه الأمور التي ينزعج منها كل ذي فطرة سليمة وخلق شريف واعتزاز بالأهل والوطن.

ثانيا: أتباع الإسلام السياسي بما يملكونه من القواعد المالية والإعلامية والشعبية يتربصون في الزوايا والأركان والجرائد والفضائيات بكل من يريد الإشارة برأس الأصبع إلى ماله جدوى وفائدة وتوجه صحيح نحو المستقبل والمصلحة العامة. أما لماذا هم يتربصون هكذا ويكفرون ويتهمون المختلف عنهم بالتغريب والعلمانية فذلك لأنهم يتوجسون خيفة حقيقية من تآكل ما حصلوا عليه تقليديا من التمكين والمتاع والوجاهة الاجتماعية، فذهبوا إلى التركيز على شئون الآخرة حتى لو أدى ذلك إلى تعطيل المنافع المباحة والضرورية في الحياة الدنيا.

ثالثا: لأن الاهتمام المفروض شرعا بتمكين الجيل الجديد من مصادر القوة الثلاث البدنية والعلمية والأخلاقية يكاد يكون دعائيا، لأن شبابنا على العموم لايصمد للمقارنة بشباب الآخرين لأنه يميل إلى حياة الدلع والاستهلاك والرخاوة، كما أنه أخلاقيا يميل إلى التسيب والبحث عن المتع التافهة، أما علميا فرزقي ورزقكم على الله.

إنني والله لا ألوم شبابنا على ما هم عليه من ضياع في متابعات كرة القدم وأخبار نجومها والقنوات الخلاعية واقتناء أحدث الأجهزة لأغراض الدردشة والغزل والفحش اللفظي، لأنهم لم يجدوا غير هذه الفضاءات المتاحة ليكبروا فيها ويعتادوا على ما يطبخه لهم تجار الاستهلاك المتوحش والخلاعة مع إهمال وتقصير واضحين من قبل المؤسسات التربوية والاجتماعية والمنزلية.

لست أدري بعد ماذا أقول، لكنني مسكون برعب حقيقي من استمرار الأمور في الانزلاق نحو التفاهات إلى أن نرتطم بالمستقبل بطريقة مؤذية ومؤلمة جدا، وأسأل الله ألا تكون بالضربة القاضية.

الرياض

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد