عندما نبدأ في بناء نظام رقابي يقوم على التأديب ومعاقبة المخالف مستخدمين التقنيات الحديثة من كاميرات ووسائل رصد علينا أن نقيم تلك الأنظمة بمنهجية لا تجرنا إلى العقاب الجماعي لفئة أو مجموعة إنما (نجرم) الشخص المتجاوز ونعاقب المخالف مباشرة فلا نقيم نظامنا المروري بثقافة ومنهجية المثل الشعبي الذي يقول: «رجل الديك تجيب الديك».
وإن كانت هذه الفلسفة الإدارية والتخطيطية تنفع في الجوانب الأمنية للوصول إلى (المجرم) فإنها غير مجدية في نظام (ساهر) الذي أقام منهجية الوصول إلى المخالف عبر وسيلة (رجل الديك) معتبرين أن رجل الديك هي: صاحب السيارة أو الكفيل أو الآباء أو وزارات وقطاعات الدولة أو الشركات الكبرى ومؤسسات تأجير السيارة.
أما الديك الفاعل و(المتنمر) في الشوارع في التفحيط وقطع الإشارة عمداً وقفز الأرصفة ومعاكسة السير هذا (الديك) الذي فر من الشوارع الرئيسة المغطاة بكاميرات (ساهر) وجعل ميدانه الشوارع المساندة والشوارع التي لم تصلها خدمة (ساهر) والأحياء السكنية (ليتنمر) على الآمنين والطاعنين والساكتين يبقى متمتعاً بالحرية وطليقاً دون عقاب، مما يجعلنا غير مقتنعين بفاعلية ساهر ونحن نرى (عيان وبيان) المخالفين يقطعون الإشارة دون اكتراث ونسمع في سكون الليل وفي رابعة النهار أزيز كفرات المفحطين وإمعاناً بالتحدي والاستهتار يلوحون لنا بأيديهم و(والشماغ) وقبعاتهم.
التقنيات الحديثة من كاميرات وعدسات لاقطة جدواها وتأثيرها في الحالات الأمنية وفي المراقبة والتوثيق.. فالمدن المتقدمة الغربية الأوروبية والأمريكية والآسيوية يقوم منهجها العقابي على إيقاف المخالف مباشرة والوصول إليه عبر الدوريات الأرضية المترصدة في الشوارع ومداخل المدن وقطاعات الضواحي حتى لو تطلب الأمر بمتابعة بالطائرات والطوافات المروحية وتكثيف الضغط عليه حتى إيقافه باعتباره بالبداية مخالفاً وثم مجرماً يعرض الأرواح للقتل والتهديد ويشبه في حالات بالشخص المسلح الذي يطلق النار على الآمنين وتقام له المحاكم والسجون.
أما الإدارة الإلكترونية دون مساندة ميدانية وراجلة فهي إدارة منقوصة يتضرر منها المواطن والجهات الحكومية لأن سجلاتها وملفاتها المرورية ستسود وتتضخم بالمخالفات؛ فالفاعل الحقيقي يفلت من العقاب وصاحب السيارة يمتلئ سجله بالمخالفات ويشوه ملفه في إدارة المرور.
والسؤال هل المرور جعل من: الكفلاء والوكلاء الشرعيين، والآباء، ووزارات الدولة، والشركات التجارية وشركات التأجير جعلها مكاتب للتحصيل المالي واستلام وتخليص رسوم المخالفات وبذلك يكون الهدف المالي مقدماً على العقاب والردع؟!
لا يمكن عزلنا عن عواصم العالم التي تقيم خططها وآليات عملها للوصول إلى المخالف مباشرة دون أن تجعل من نفسها مكاتب تحصيل للمخالفات فقط فهي تسعى إلى المعاقبة والتقويم. ومن له سجل في التجاوزات وعدم التقيد بأنظمة السير تتعامل معه كمجرم خطر يهدد أرواح الآخرين فتسعى إلى تحييده ومنعه من القيادة ومراقبته.. ونتمنى أن يصل جهاز المرور لدينا إلى هذه الثقافة من تعقب الأشخاص الخارجين على القانون ومعاقبتهم وتحييدهم وحماية الآخرين.