Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/06/2010 G Issue 13761
الاربعاء 19 جمادىالآخرة 1431   العدد  13761
 

أوتار
ابتزاز الشعراء
د. موسى بن عيسى العويس

 

أمسى الشعر داخل أروقة الفضائيات بضاعة مزجاة، يباع بأبخس الأثمان، يساق في أدنى المواقف والمناسبات، ويمنح لمن لا يستحق من البشر أحيانا، وينشد أمام المتذوق من الناس وغيره.

نحن دائماً وأبدا نتجه لنقد الشعر، ونسرف أشد الإسراف في تعداد عيوبه ومثالبه، والقليل منا من يذكر محاسنه، أو مواطن الإجادة فيه. معان سطحية، تراكيب ضعيفة، مضامين مطروقة، صور مبتذلة، أوزان مضطربة. هذا كل أو جل ما نتجه إليه في النقد، ونضعه على السفّود، ونحن بذلك الصنيع نئد الإبداع عندنا عن عمد، ونقتل المبدعين من أبنائنا من حيث لا ندرك.

ومع ذلك الإحباط الذي يعيشه بعضهم، فقد تهيأ لهم -بحمد الله- من المحطات الفضائية من يتاجر لهم وبهم، ويروّج بضاعة بعضهم، ويحميها من الكساد، حتى أصبح الشعر بلا منازع بابا من أبواب التجارة، وانتفت (حرفة الفقر) الذي لازمت صفتها كثيرين من الشعراء؛ لذا نراهم في زمن وجيز يبارون مفسري الرؤى والأحلام في هذه الأبواب، ويزاحمونهم لقمة العيش، ولم يجانب (جبران) الصواب حين قال: (لله في أرضه كنوز مخبؤة مفاتيحها ألسنة الشعراء).

بعيداً عن صنّاع الشعر، هناك فئة أخرى، هي طرف اللعبة ألهبت الساحة الشعبية من حيث لا نشعر ألا وهي فئة (الممدوحين)، هذه الشريحة للأسف أصبحت من حيث لا تعلم مجالاً لتندر بعض الشعراء، وبخاصة ممن يجيد ركوب فن الألغاز، والأحاجي، ويحسن توظيف الرمز، والكناية، والاستعارة في بناء القصيد، لتحقيق مآربه. أمامهم طرِب الممدوح للهجاء وتمايل كطربه للمديح من حيث لا يعي ذلك. وهنا كان الإبداع في فن الابتزاز، أو فنون الاستخفاف في العقل العربي.

تاريخ الأدب يعيد نفسه في كثير من المواقف، فمن قبل هؤلاء طرب -من حيث لم يدرك- كافور الإخشيدي أمام لواذع (المتنبي) وقوارصه الرائعة، حين يقول ساخراً، وعلى سبيل الاستهزاء:

تظلّ ابتساماتي رجاءً وغبطةً

وما أنا إلا ضاحكٌ من رجائيا

وتعجبني رجلاك في النعل أنني

رأيتك ذا نعلٍ إذا كنتَ حافيا

وإنك لا تدري ألونك أسودٌ

من الجهل ، أم قد صار أبيض صافيا؟

ومثلك يؤتى من بلادٍ بعيدةٍ

ليضحك ربات الحداد البواكيا

الفرق بينهم أن (كافور) لم تنطل عليه طموحات (المتنبي) في الإمارة، وإن أبدى تغابيه، وأطلق ابتساماته أمام كل صورة، وأمام كل شطر، وأمام كل بيت، مع أنه غير محسوب على العرق العربي، وننظر إليه في ثقافتنا نظرة دونية. أما لدى المعاصرين من الممدوحين، وهم المحسوبون على هذا العرق، والمتفاخرون به على مر التاريخ، فقد وقع بعضهم في الفخ، وفتح عليه الأبواب من أوسعها، فنال الشاعر مآربه ومقاصده، وتمادى في بعض الأحيان في منهجه الاستخفافي، وهو يعرّض في الآخرين، وينال منهم، مستغلاً ثغراتهم.

في ظل العولمة، وبعد أن فتحت التجارة العالمية أبوابها تضاعفت عندنا أبواب الاستهلاك، فأصبحنا مُستهلكين، يسهل على الكثير اقتناصنا وابتزاز أموالنا.

dr_alawees@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد