Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/05/2010 G Issue 13758
الأحد 16 جمادىالآخرة 1431   العدد  13758
 
لما هو آت
الخريف ضيع الحصافة..
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

يحكى أن رجلاً حصيفاً جلس عند قارعة طريق يؤدي إلى الغابة، في فجر يوم خريفي، تساقطت عليه أوراق الأشجار المصفرة، ولفحت الريح العجلى وجهه، ويده تمسك بحجر صغير، كلما هبت الريح قذفها بحجر فيسقط الحجر والريح لم تعبأ بها، لا تحملها ولا توقفها، أما ورق الشجر الجاف المصفر فكان كلما سقط الحجر عليه أحدث صوتا.. فينظر إليه فإذا به إما قد تكسر أو قد تناثر.., فيلقي تنيدته على مرمى عينيه لكنه لا يراها, فيدرك أن الفضاء قد احتواها،..

وهو في مكانه كانت حيوانات الغابة ترسل إليه بعضاً من عوائها، وزئيرها، ونهيقها وصهيلها, وموائها وصفيرها، فيدرك أن الريح تحمل إليه من جوف الغابة ما يخبره بما فيها،..

ساءل الحصيف نفسه: وهل تفعل الريح فتخبر عني حيوانات الغابة..؟ غير أنه وهو يقارن صوته بأصواتهم، وجد أن لا تشابه بينها,..

فكر كثيراً في كيفية أن تعلم الحيوانات في الغابة بوجوده على مفرق الغابة.. وسرعان ما وصل لفكرة، كانت أن يرسل الحجر بأقصى ما يملك من القوة نحو الغابة.., لعلهم يعلمون بوجوده على مقربة.., غير أن الحجر لم يصل لأبعد من مرمى عينيه.

لم تكن الريح معه، إذ لم تحمل معه الحجر لجوف الغابة، كما لم يكن صوته من القوة, ليخبر من في الغابة عنه، كما كانت تنهيدته من الرخاوة بحيث انطلقت لمسافة قريبة منه.. ولم تبتعد أكثر...

فالغابة بعيدة, وشاسعة، لا صوته بقوة أصوات سكانها، ولا مقدرته من الإمكان, لإيصال الحجر الذي بين يديه لجوفها..

فكر، ثم وصلت به حصافته إلى أن يخلع عنه ثوبه, ويرتدي جلد أحد سكان الغابة.. ويذهب بقدميه إليها علها تراه، وتدرك قوته في الوقوف بينها... بثوبها، غير أنه وهو يتقدم, هاجت الريح، محملة بمنثور أوراق الخريف الجافة,...

أغمض عينيه اتقاءها، وأسقطت الريح عنه ثوب الحيوان.. وتركته في عرائه.. فطفق يركض للاستتار.. بينما أقبلت الحيوانات للإنقضاض عليه...

يحكى أنه عرف فيما بعد، أن الغابة لا تأوي الضعفاء..وأن الريح لا تعينهم، وأن الحجر الصغير في يدهم لا يقوى إلا على الخشاش..

لم يكن هذا الإنسان حصيفاً كما ينبغي، فقد ضيع مع الخريف حكمته..



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد