الجزيرة - أحمد القرني :
حقَّقت السعودية نجاحاً عالمياً في مجال الوقاية من مجموعة من الأمراض المعدية والقضاء عليها، كشلل الأطفال ومرض الكزاز اللذين سجلت خلوها منهما نهائياً منذ سنوات، بعد أن تبنت برنامجاً إلزامياً لتطعيم الأطفال في سن مبكرة بلقاحات مضادة لتلك الأمراض. فيما أكد أطباء متخصصون نجاعة التطعيمات في الوقاية من كثير من الأمراض المعدية والخطيرة للفئات الأكبر سناً.
قال رئيس برنامج الربو عند الأطفال بمستشفى الأطفال بمدينة الملك فهد الطبية استشاري أمراض صدرية لدى الأطفال الدكتور أحمد بن محمد أبو عباة: «إن مما نفخر به في السعودية أن نسبة تغطية اللقاحات هي الأعلى على مستوى العالم؛ حيث بلغت أكثر من 97 في المائة، علماً بأن الرؤية العالمية للتحصين 2010 هي زيادة التغطية باللقاحات للأمراض المستهدفة بالتحصين إلى 90 في المائة على الأقل على مستوى الدول، و80 في المائة على الأقل على مستوى كل منطقة».
واعتبر الدكتور أبو عباة أن تحقيق السعودية لهذه النسبة المرتفعة في تغطية اللقاحات «إنجاز رائع ومتميز، ولم يتحقق لولا توفيق الله أولاً ثم انتهاج بعض الاستراتيجيات المهمة، وأبرزها صدور الموافقات السامية الكريمة في العامين 1399 و1403هـ القاضية بالاحتفاظ بشهادات ميلاد الأطفال حديثي الولادة إلى حين استكمال إعطاء الأطفال اللقاحات الأساسية».
وأضاف: «كما يعود هذا النجاح الكبير إلى الانتشار الواسع لمراكز الرعاية الصحية الأولية في جميع المناطق والقرى والهجر، وتوفير اللقاحات للمواطنين مجاناً من دون أي مقابل، إضافة إلى الحملات التوعوية المتكررة من قِبل وزارة الصحة حول أهمية أخذ التطعيمات والخطورة المترتبة من عدم أخذها».
وأكد رئيس برنامج الربو عند الأطفال أن تطبيق هذه الاستراتيجيات أدى إلى انحسار أو توقُّف تمدد الكثير من الأمراض الوبائية التي تستهدفها التطعيمات. مستشهداً في هذا الصدد بعدم تسجيل أية حالات شلل أطفال منذ العام 1995، كما تمَّت إزالة مرض الكزاز الوليدي، وانخفضت حالات «السعال الديكي» و»الدفتيريا» و»الحصبة» بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح الدكتور أبو عباة أن التطعيمات عبارة عن مواد يتم تصنيعها بعد أن تؤخذ الجراثيم (البكتريا أو الفيروسات) وتتم معالجتها داخل المعامل والمختبرات حتى لا تضر بالإنسان، بحيث يتم تضعيفها أو قتلها أو أخذ جزء منها. وعند إعطاء التطعيم للطفل فإن الجسم يعمل على إفراز مضادات ضدها وتكوين المناعة المكتسبة، وتزداد هذه المناعة وتقوى عند إعطاء الجرعة المنشطة.
وأضاف: «عندما يتعرض الطفل الذي تم تطعيمه لأي من تلك الجراثيم فإن جسمه يكون مستعداً؛ حيث يكون الجسم قد كوَّن الأجسام المضادة اللازمة لمقاومة المرض والقضاء عليه؛ وبالتالي فلا تظهر على الطفل الأعراض المرضية، أو من الممكن أن تظهر ولكن بشكل مخفف».
وعن نوعية التطعيمات ومواعيدها أشار رئيس برنامج الربو عند الأطفال إلى وجود جدولة تحدد موعد أخذ كل تطعيمة؛ إذ يعطى الطفل عند الولادة التطعيمات الوقائية من الدرن, والالتهاب الكبدي (ب)، وفي عمر شهرين لقاحات شلل الأطفال المعطل, والثلاثي البكتيري, والالتهاب الكبدي (ب), والمستدمية النزلية, والبكتيريا العقدية الرئوية، وفي عمر 4 أشهر تعطى له لقاحات شلل الأطفال الفموي, والثلاثي البكتيري, والالتهاب الكبدي (ب), والمستدمية النزلية, والبكتيريا العقدية الرئوية.
وأضاف «إن الطفل يتلقى في سن ستة أشهر التطعيمات الوقائية من شلل الأطفال الفموي, والثلاثي البكتيري, والالتهاب الكبدي (ب), والمستدمية النزلية, والبكتيريا العقدية الرئوية. وفي عمر تسعة أشهر يعطى له لقاح الحصبة المفرد فقط. وفي سن 12 شهراً يعطى له اللقاح الثلاثي الفيروسي, شلل الأطفال الفموي, الجديري المائي, والبكتيريا العقدية الرئوية».
أما في عمر 18 شهراً فتعطى للطفل لقاحات شلل الأطفال الفموي, والثلاثي البكتيري, والمستدمية النزلية, والالتهاب الكبدي (أ). وفي عمر 24 شهراً يعطى له فقط اللقاح المضاد للالتهاب الكبدي (أ)، فيما تعطى له عند دخوله الصف الأول الابتدائي لقاحات للثلاثي الفيروسي, وشلل الأطفال الفموي, والثلاثي البكتيري (الثنائي البكتيري), والجديري المائي.
وقال الدكتور أبو عباة: «من الملاحظ في جدولة تلك التطعيمات أن كل الأمراض المستهدفة بها أمراض وبائية، إما أن تكون قاتلة أو شديدة الضراوة، وقد تؤدي إلى مشاكل مزمنة وإعاقات دائمة لدى الأطفال؛ الأمر الذي يمكن أن نتلافاه ونتقيه، بعد عون الله، عبر أخذ هذه اللقاحات (التطعيمات) في وقتها ودون أدنى تأخير».
وأضاف: «لنأخذ مثالاً على دول اللقاحات في الوقاية من هذه الأمراض، وهو مرض شلل الأطفال الذي انخفضت معدلات الإصابة به من 2.60 حالة لكل 100 ألف من السكان في العام 1980م، إلى 0.04 حالة في العام 1990م، حتى أصبح المعدل صفراً في عام 2000 م، وعام 2009م، كما يوجد مثال آخر هو مرض الكزاز، الذي أدرج اللقاح المضاد له ضمن تطعيمات الثلاثي البكتيري، حيث انخفضت معدلات الإصابة به من 0.31 حالة لكل 1000 طفل حي في العام 1980م، إلى 0.09 حالة في العام 1990م، حتى أصبح المعدل 0.02 في العام 2009م».
وشدد رئيس برنامج الربو عند الأطفال على أن التطعيمات الأساسية ركيزة مهمة للصحة لجميع الأطفال من دون استثناء، ولكن أهميتها تزداد لدى الأطفال الذين يعانون أمراضًا مزمنة تجعلهم أحيانًا أسرع وأكثر عرضة للإصابة وأخطر في التأثر.
وأشار إلى أن من هؤلاء الأطفال المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية المستهدفة باللقاحات هم الأطفال الذين يعاونون أمراضًا صدرية مزمنة، مثل الأطفال الخدج، وبعض الأمراض الصدرية الوراثية، مثل التليف الكيسي، أو توسع الشعب الهوائية وتليفها، كما أن الربو واحد من الأمراض التي تجعل الأطفال أكثر عرضة من غيرهم للمضاعفات عند الإصابة ببعض الأمراض الالتهابية المعدية، مثل الالتهابات الرئوية أو الإنفلونزا أو إنفلونزا الخنازير.
وأشار الدكتور أبو عباة إلى أن إعطاء التطعيمات لهذه الفئة من المرضى يعتبر ركيزة مهمة من الخطة العلاجية لهم، وجزءًا لا يتجزأ من متابعتهم.
أما رئيس الجمعية السعودية للأورام استشاري أول طب الأورام والعلاج بالأشعة الدكتور عصام مرشد، فقال: «إن صدور الموافقات السامية الكريمة فيما يخص التطعيمات وربطها بدخول المدرسة أدى إلى ارتفاع نسبة الأطفال المتلقين للتطعيمات، وأسهم في انخفاض حاد وملموس في معظم الأمراض المزمنة التي كانت تصيب الأطفال في سن الطفولة المبكرة وسنوات عمرهم القادمة أثناء نموهم».
ولفت الدكتور مرشد إلى أن أهم الأمثلة لتلك الأمراض «شلل الأطفال، والجدري، ووباء الكبد الفيروسي الذي يعد على قائمة أخطر الأمراض وأكثرها فتكاً في المملكة العربية السعودية». مؤكداً أنه بسبب التطعيمات انخفض عدد الحالات المسجلة؛ وبالتالي انخفضت النفقات العلاجية التي تصرف على المرضى؛ ما خفف العبء على ميزانية الخدمات الصحية المقدمة في البلاد؛ وهذا بالتالي يؤدي إلى تحسن في تقديم الرعاية الصحية في المجتمع بسبب التخفيف الحاصل على كاهل الميزانية. وهذا هو الحال بالنسبة لباقي الأمراض.
لكن التطعيمات الوقائية من الأمراض لا تعطى فقط للأطفال بل تتعداهم إلى الفئات الأكبر سناً؛ إذ أكد مساعد مدير إدارة الأمراض الطفيلية والمعدية بوزارة الصحة الدكتور أمين مشخص أن أهمية التطعيمات تكمن في الوقاية من كثير من الأمراض المعدية والخطيرة لكثير من فئات المجتمع، وعلى رأسها كبار السن ومرضى الأمراض المزمنة، مثل مرضى (الفشل الكلوي, وداء السكري, والفشل الكبدي, ومرضى القلب...).
وأوضح الدكتور المشخص أن هذه التطعيمات تلعب دوراً مهماً في رفع مناعة مرضى الأمراض المزمنة الذين يعانون في الأصل ضعف المناعة بسبب هذه الأمراض المضعفة. مشيراً إلى أنه يتم إعطاء مرضى الأمراض المزمنة بعض التطعيمات، مثل: (تطعيم الإنفلونزا الموسمية, وتطعيم النيموكوكاي (الالتهاب الرئوي), وتطعيم الالتهاب الكبدي الوبائي (ب), وتطعيم الحمى المخية الشوكية...).وعن إمكان فرض أنواع جديدة من التطعيمات وجدواها للوقاية من أمراض أخرى شدد الدكتور عصام مرشد على أن تأسيس برامج للتطعيمات والتطعيم للأمراض الأخرى، إن وجدت وكانت فعَّالة، يتطلب معرفة مدى انتشار المرض والجدوى الاقتصادية لتلك التطعيمات، وهذا يتطلب إحصائيات عن هذه الأمراض لمعرفة مدى انتشارها في المجتمع.
وأوضح الدكتور مرشد هذا الأمر بالإشارة إلى أنه لا يوجد حالياً تطعيم للبنات في سن الطفولة 10 سنوات وما دون ذلك ضد سرطان عنق الرحم، على رغم أنه تم اكتشاف تطعيم فعَّال ضد أحد أنواع الفيروسات التي لها علاقة مباشرة بالتسبب في المرض.
وأضاف: «لكن عندما نأخذ في الحسبان مدى انتشار سرطان عنق الرحم لدى السيدات في السعودية، الذي بلغ العدد الإجمالي للحالات المصابة به بحسب الأعداد المسجلة في تقرير السجل السعودي للأورام للعام 2005م، وهو أحدث وآخر التقارير الصادرة، ما يزيد قليلا على 100 حالة فقط، نلاحظ أنه من غير المجدي في الوقت الحالي تبني برنامج على المستوى الوطني يضع هذا التطعيم ضمن التطعيمات الأساسية، ولكن من الممكن بعد التعرف على الفئات الأكثر عرضة لهذا المرض من النساء بأن يتم وضع برنامج للتطعيم خاص بهذه الفئات - إن أمكن - للوقاية من المرض».
وأشار في هذا الصدد إلى أن الدراسات تُجرى حالياً للعمل على هذا المحور من قِبل مراكز الأورام المتخصصة بالتعاون مع الجمعية ووزارة الصحة؛ لإنشاء مراكز متخصصة للمساهمة في محاربة مرض السرطان والأمراض المزمنة الأخرى. مؤكداً أن الوزارة لا تألو جهداً في هذا المجال.