Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/05/2010 G Issue 13754
الاربعاء 12 جمادىالآخرة 1431   العدد  13754
 
أنت
الحوار مع الذات
عبد المحسن الماضي

 

إلحاح قضية الحوار مع الآخر أجل النظر في موضوع الحوار مع الذات.. الذي يفترض أن يكون الأسبق في الاهتمام؛ فتعزيز بالحوار مع الآخر هو السبيل لحوار الحضارات وتعاونها وتكاملها وتحالفها.. بينما الحوار مع الذات هو السبيل لاستعراض الخيارات المتاحة وسلوك أفضلها.. مما يعود على النفس بالثقة والاطمئنان والاستعداد للانطلاق.

وحين نقول الذات فإن اللفظ لا يقتصر على الفرد فقط بل قد يشمل الجماعة ذات القضية الواحدة.. بمعنى أن الحوار مع الذات يمكن أن يكون فردياً ويمكن أن يكون جماعياً.. فالذات يمكن أن تكون شخصية طبيعية أو إنساناً عادياً.. ويمكن أن تكون شخصية اعتبارية جماعية كالعائلة والقبيلة والسعوديين والعرب والمسلمين والإنسانية.

تتداخل دائرتا الحوار مع الذات والحوار مع الآخر عند تناول القضايا الحيوية.. ومن الحكمة والتبصر أن يسير الحواران (الحوار مع الذات والحوار مع الآخر) جنباً إلى جنب وألا يتعطل أحدهما انتظاراً لوصول الآخر.. كما أنه ليس من الحكمة أن نسعى للحوار مع الثقافات الأخرى دون أن نتقدم في حوارنا مع الذات.. أو أن ننأى بأنفسنا عن الحوار مع الذات كأفراد وجماعة داخل الثقافة أو القطر الواحد.. فالحوار مع الذات يتكامل مع الحوار مع الآخر.. بل إن الحوار مع الآخر يستلزم النجاح في الحوار مع الذات باعتباره وسيلة لاكتساب القوة القادرة على تجديد البناء الداخلي وتطويره.

الحوار مع الآخر يقتضي أولاً: الاعتراف بالآخر واحترام فكره ومفاهيمه وقيمه، والالتزام الكامل بضوابط الحوار وآدابه وغاياته، والإيمان بحق الآخرين في المعارضة والاختلاف بينما الحوار مع الذات يحتم على الإنسان المعتدل الإقرار بأن ما لديه من مفاهيم وقيم ويقينيات هي أمور تخصه وحده وأنها ليست مسلمات بالنسبة للآخرين.

يرى بعض المفكرين أن الوعي بالله تعالى هو في حقيقته وعي الإنسان بذاته.. لهذا فإن قول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، يعد دعوة إلهية لاستكشاف مكنونات الذات البشرية مثلما نستكشف الفضاء.

نقد الذات أو محاولة قراءة الحال أو وصف الواقع أو بيان المآخذ والنواقص والعيوب.. كلها أمور تنظر إليها المجتمعات المنغلقة على أنها إحدى حالتين؛ إما أنها حالة من جلد الذات، وإما أنها لون من العمالة ومناصرة الأعداء والمتربصين، أما الدعوة إلى التصحيح والإصلاح فهي في رأيهم حالة من الرفض ودعوة إلى إعلان التمرد والعصيان.. وهي نظرة تجعل من أي محاولة للمراجعة أو التصحيح اعترافاً بالتقصير والفشل.. وهذا يعطل كل فرصة للتحسين وكل سعي للتقدم.

من جانب آخر فإن رفض نقد الذات ينمي في الإنسان الإحساس بالتميز والخصوصية والعلو على البشر.. فتورم الذات يقود الفرد إلى اليقين بامتلاك الحقيقة المطلقة التي لا يملكها سوى الأصفياء من البشر.. هذا الإحساس المغشوش الذي هو أقرب إلى الهلوسة يفقد صاحبه حاسة الرؤية والرغبة في التعلم.. ويخرجه من نطاق العالم الذي يعيش فيه.. ويدفعه للترفع عن إقامة أي حوار جدي مع ذاته أو مع الآخر.. وهنا مكمن الخطورة.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد