Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/05/2010 G Issue 13748
الخميس 06 جمادىالآخرة 1431   العدد  13748
 
استضافة صالون الناظر في القاهرة
المعطاني يناقش التداخل الخضاري في المجتمع الأندلسي

 

القاهرة - سجى عارف:

استقبل معالي السفير هشام محي الدين ناظر سفير خادم الحرمين الشريفين بالقاهرة السيد عبد الله بن سالم المعطاني عضو مجلس الشورى السعودي كضيف شرف بالمقعد الفكري الذي عقده السفير ناظر يوم الأربعاء الماضي و بحضور المثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء بمصر والمملكة العربية السعودية، هذا وقد ناقش الناظر مع ضيفه المعطاني أشكال تطور الحضارة الأندلسية وأسباب سقوطها خصوصاً بعد التطور العلمي والثقافي والحضاري الذي ساهمت به الأندلس لرفع وتطوير الحياة الإنسانية بمختلف أرجاء العالم.

وقال المعطاني: إنه من زيادة التفاعل الحضاري بين المجتمع الأندلسي أن العرب أصحاب السيادة ابتعدوا عن التعصب والاختلاف الإقليمي الذي يحد من بناء الحضارة والرقي العلمي.

وقد جاء ذلك في عدة عوامل منها الانصهار بين العربي والبربري والمسيحي والأسباني وغيرهم؛ وذلك في الملبس والمأكل ونمط الحياة. واندماج البيئة الاجتماعية لا يعنى اختلاف الفكر ولذلك هنالك مستشرق درس في جامعة السور بون 40 سنة وهو جاك بيرك وحينما أرادت الجامعة أن تقعده قالت له: سوف نقيم لك حفلة التكريم في آخر محاضرة تلقيها في حياتك بالجامعة فاختار الأندلس، وحينما خرج من المحاضرة قابله الصحفيون وسألوه لماذا اختار الأندلس؟ قال: لأنها البلد الوحيدة التي صنعت حضارتها من عدة شعوب و أعراق.

حافظ العرب أصحاب السيادة والسلطة على معالم وآثار الحضارات الأخرى فلم يهدموا الكنائس وأبقوا على المسرح الروماني بفالينسيا، وصرحوا لليهود والنصارى أن يمارسوا دياناتهم بكل حرية، وهذا على خلاف ما فعله المسيحيون بجامع قرطبة ومنارة أشبيلية وقصر الحمراء بغرناطة، حيث قلبوا كل المساجد إلى كنائس، يقول جارودي: إن عدد الفرسان العرب الذين دخلوا أسبانيا كانوا 70 ألفاً وعدد سكان أسبانيا 10 ملايين في ذلك الوقت ولذلك لم يكن التفوق عسكرياً ولكن كان ثقافياً وحضارياً، ومن كرامات هذا الانصهار أيضا اللغة العربية التي سحرت الأسبان فتعلموها ونظموا الشعر بها وفتنوا بجمال بلاغتها وتراكيبها حتى أن أكبر قساوسة قرطبة صاح بأعلى صوته: إن أبناء طائفتي يحبون الأشعار العربية والتراث العربي أكثر من اللغة اللاتينية ويقتنون اللغة العربية.

وكان هناك تداخل بين اللغة العربية واللغات الأخرى وخاصة اللاتينية عن طريق التمازج والاجتماع، فالنساء كن يربين الأطفال العرب ويغنين في الحفلات ويخدمن في البيوت حتى أنك تجد العربي يتكلم العربية واللاتينية والأسباني يتكلم الأسبانية والعربية، وأكبر دليل على تداخل اللغات تلك الموشحة اللاتينية وهى قصيدة المجتمع الأندلسي المميزة تكون خرجتها باللاتينية أو بالعامية، ونستطيع القول بأن اللغة العربية كانت الرسمية أما الحديث في الشارع فكان باللسانين وبلغ من ولع الأسبان بالعربية أن ملوك شمال أسبانيا وهم اللذين لم يمتد إليهم حكم العرب كانوا يكتبون خطاباتهم ويوقعونها بالعربية وهناك مخطوطات كثيرة في هذا المجال ولا يسمح الوقت بالحديث عن ذلك.

وبسؤال للمعطاني عن كيف لحضارة مثل الأندلسية التي استطاعت أن تجلب الشعوب ليتعايشوا فيها وتفرز كل المحاسن، كيف لها أن تسقط هذا السقوط؟

مجيباً: إلا أنه كانت هناك مشاكل؛ فالأندلسيون أنفسهم انقسموا، حينما جاءوا تحت مظلة الحكم القوي ما كانت الدول القريبة منهم وخاصة دول نصارى الشمال أن يستطيعوا أن ينالوا منهم، بعد زوال الحكم الأموي وقيام الدولة العامرية وأصبحت دويلات كل دويلة لها أمير وبالتالي ضعف الحكم الإسلامي في الأندلس وهذا الذي جعل الفقهاء والنبلاء والمثقفين يلتجئون إلى المرابطين الذين كانوا بدواً أجلافاً استطاعوا أن يحكموا سيطرتهم على الحكم.

ثم قال: نعود إلى قضية انتهاء الدولة الإسلامية بالأندلس، فهي لم تنتهِ بقرن أو اثنين أو ثلاثة، فاستمرت وخاصة بعد انقسام الدويلات وحتى بلغ ضعفها حتى كان بعضها يخشى النصارى وحينما يسيطروا على العرب يهنئونهم فأصبحت الدويلات ضعيفة لم يكن هناك يجمع بينها سلطة القوة، إضافة إلى شيء آخر وهو أن الفونس السابع كان رجلاً قوياً جداً واستطاع أن يجمع النصارى، واستطاع أن يكتسح الدولة الإسلامية، وهذه سنة الله في خلقة فالدولة تبدأ قوية ثم بعد ذلك تنهار كالإمبراطورية التركية وغيرها وهو شيء طبيعي جدا فكان ممكن أن تسقط الدولة وتأتي دولة أخرى ولكن انتهت بهذا الشكل من خلال العنف الكبير الذي وقع من محاكم التفتيش ومحاكم التفتيش بالأندلس لم تكن إنسانية وأنا أتصور أن إسرائيل الآن تعمل نفس العمل أو على الأقل في ذهنها تاريخياً أن تعمل هذه الأشياء، أن تقتلع الناس من جذورهم، وأن تمحو كل شيء، و محاكم التفتيش ذبحت وقتلت في يوم واحد 10 آلاف مسلم في ساحة الرملة وسالت دماؤهم في الشوارع وأحرق من المخطوطات ما يوازي جبلين صغيرين وقالوا من يتكلم حرفاً باللغة العربية يقطع لسانه فمحاكم التفتيش اقتلعت جذور الثقافة العربية واللغة العربية حتى أن واحداً كان يحكى في قصيدة كيف كانوا يستعبدوا نساءهم واستحلوا دماءهم وأموالهم وما إلى ذلك والشيء الآخر بقدر ما نقول هذا فالتراث العربي كان محل احتفاظ بإسبانيا ومكتبة الأسقريان مليئة بالتراث العربي وهم يعتقدون أن أصحاب التراث الأول مثل ابن رشد وابن حزم هم أجدادهم ونعود إلى السؤال فأنا أتصور أن هذه الشدة والغلظة اقتلعت اللغة العربية من جذورها لكن الحضارة باقية. واختتم حديثه متطرقاً بعد ذلك إلى سمات المجتمع الأندلسي وأثر الشعر العربي ودور الترجمة الحيوي للتمازج بين الشعوب والمرأة ودورها في بناء مجتمع الأندلس وأكد المعطاني أن اختيار خادم الحرمين الشريفين لإطلاق حوار الأديان من أسبانيا لم يكن وليد الصدفة فهي البلد التي انطلق من خلالها حوار الحضارات وحوار الأديان إلى جميع إنحاء أوروبا والعالم.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد