الاستفادة من تدين الناس والمتاجرة بالدين ظاهرة إنسانية قديمة.. عرفها الإنسان منذ هبط إلى الأرض كما عرفها في عصور عبادة الأصنام والطواغيت وانتشار الأديان التي فصلها الإنسان على هواه.. واستمرت مع الأديان السماوية حتى طالت المذاهب والأفكار الأيديولوجية والحزبية في عصرنا الحديث.. وهي لا تزال تجارة رابحة لفئة قليلة جعلت من التلاعب بروحانيات الإنسان واعتقاده وسيلة للكسب الحرام.
وإذا عرفنا أن عامة شعوب الأرض من متوسطي الذكاء ومستوى معيشتهم دون المتوسط.. لفهمنا لماذا هم في العادة الوقود والأداء القابلة للاستخدام.. فهم الفئة التي تنفعل وتتفاعل وفق التلقي.. والاستجابة لديهم دون إمعان النظر والتفكير.. بل سيراً مع الجموع.. لهذا فإنهم يمثلون بيئة صالحة لظهور الكهنوت والدكتاتورية.
الكاهن والكهانة والكهنوت مصطلحات يهودية صرفة.. والمقصود منها خدمة الدين رعاية وحماية وتفسيراً ولم يستخدم المسيحيون هذا المصطلح ولم يطلقوه على رجال الدين لديهم.. من باب الاختلاف مع اليهود.. لكن المعنى تم العمل به تحت مسميات أخرى كالقسيس والأسقف والبطريك والقمص وغيره.
وتعريف الكاهن هو من يدعي معرفته بالغيب أو بما في ضمير الإنسان من خلال النظر إلى الورق أو الطرق أو الخط في الرمال أو قراءة الكف أو الفنجان أو مطالعة بللورة سحرية أتت له من الجن تسمح له برؤية المستقبل.. ويدعي أن الوحي أو العلم بالشيء يأتيه منزلا من ملائكة أو من شياطين يتملكونه ويتقمصون روحه ويتكلمون بلسانه.. ويحذر زبائنه من غضبهم وعقابهم الذي قد ينزل به نفسه ويطالب السحر معه.
وظيفة الكاهن المنصوص عليها في التوراة هي حفظ الكلام وصيانة العهد وتعليم النواميس، فهم خدام للطقوس وحراس للتقاليد المقدسة.. أما عمل الكهان فيفترض أنه تمثيل البشر الخطائين أمام الله.. وبذلك فهم يعتبرون أنفسهم الوسيط، بين الله وخلقه.. من أهم وظائفهم أن يصالحوا البشر مع خالقهم.. ويُكفروا عنهم خطاياهم.. ويقدموا أشخاصا واعترافات وقرابين الخطائين نيابة عنهم إلى الله تعالى.. وبعضهم يبالغ في مكانه ومكانته حتى يصبح الشفيع للناس أمام الله تعالى وبعضهم نصب نفسه وكيلاً لله في الأرض.
والسؤال الآن.. أين يقع بؤس التدين الذي يسمح بازدهار عمل الكهان من بؤس الحال الذي يقع على المجتمع فيسحقه في معيشته ومفاهيمه وقيمه؟.. الواقع المشاهد يدل على أن بؤس التدين هو تعبير عن بؤس الحال.. وانظروا إلى المجتمعات التي تزدهر فيها أعمال السحر والشعوذة والكهانة يأتيكم الخبر الأكيد.