تحقيق: منيف خضير
مع بداية العد الفعلي لعملية تعداد السكان الذي يتم تنفيذه هذه الأيام.. وفي ورش العمل التي تقيمها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في مختلف مناطق المملكة، كان (للجزيرة) هذه اللقاءات مع عدد من موظفي التعداد من المعلمين، كما التقينا بمراقب ومفتش تعداد لمناقشة عدد من المقترحات التي تعكس بعض المعوقات التي يتعرض لها منسوب التعداد، وثمة مواقف طريفة ومحرجة أحياناً أضفت على اللقاء جواً من المرح.
بداية تحدث لنا عطية العطية (عداد) عن بعض معاناة العدادين فقال:
في الغالب نبدأ في العد الميداني عند الساعة الرابعة والنصف عصراً، وفي هذا التوقيت لا يتواجد رب الأسرة في الغالب في منزله، فنضطر لانتظاره لحين عودته لمنزله عند الساعة العاشرة أو الحادية عشرة مساءً لأن الأسرة في الغالب لا تملك معلومات كاملة مثل رب الأسرة، وهذا التوقيت لا يتناسب مع توقيت العد الذي قررته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات وهو إلى الساعة التاسعة والنصف، وعن سؤاله عن الحل أجاب:
أسأل عن مقر عمله فأذهب إليه، فلا وقت لدي لإضاعته.
ومن المواقف الطريفة التي تعكس تفاوت الثقافة المجتمعية، ما حدث لي حينما زرت مجلساً كبيراً لكبار السن (نسميه في محافظة رفحاء الشبة)، فقمت بعدّ الأشخاص الذين يتبعون منطقة العد الإدارية المخصصة لي، وكان ثمة مسن كبير ينظر إليَّ شزراً، فطلب مني هذا المسن أن أعد الجميع ولا أحدد أحداً دون الآخر، فذهبت محاولاتي لإقناعه بخطأ ذلك أدراج الرياح، إنها ثقافة المجتمعات!
هدر لوقت العداد
حمود الشرعان (عداد) يقول إن هناك هدراً لوقت العداد لا ذنب له فيه، ومنها هذا الموقف الذي حدث له حينما قابل رب الأسرة، وأخذ يعبئ الاستمارة المخصصة للعد وتدوين أفراد الأسرة، ولما سألت عن الوفيات خلال آخر سنة وكذلك المواليد (كما في أنظمة مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات) تفاجأت بالرجل يقاوم دمعته، وكان معه أبناؤه الذين احتضنوا والدهم وأخذ الجميع ينشج بالبكاء، فعلمت أن لديهم ابناً شاباً لقي حتفه قبل شهر، ولم يتمالكوا أنفسهم من الحزن بعد أن قلبت عليهم المواجع، ويختم الشرعان موقفه هذا قائلاً:
بالطبع اضطررت والحالة كذلك أن أؤجل العد ليوم آخر.
ومن المواقف التي يراها تهدر وقت العداد نتيجة لتعرضهم لثقافات مختلفة أنه قابل أحد المسنين وعمره (75) وكان وحيداً يطلب التسلية فأخذ يحكي لي عن معاناته من آلام المفاصل واحتكاك في الركبتين، وكان يذكر لي بحسرة أنه يعالج عند طبيب أردني رائع ولكنه أضاع رقم هذا الطبيب وكذلك عنوانه، فطمأنته أن هذا المرض في متناول الطب، وأن والدتي رحمها الله قد تعرضت لمثله وشفيت منه، وأخبرته أنني عالجتها عند طبيب أردني معروف وذكرت له اسمه، ففرح كثيراً وقال: هذا هو الطبيب الذي كثيراً ما بحثت عنه دون فائدة، وبدا سعيداً فهاتفه أمامي وعقد معه موعداً طبياً على الفور، ثم قام وأحضر تقارير طبية وصور أشعة وأخذ يقارن بين مرض والدتي رحمها الله وبين ما يتعرض له على سبيل تطمين النفس وأنا أجاريه بغية الحصول على معلومات التعداد في النهاية، يقول الشرعان:
نظرت إلى ساعتي وهو يعرض علي التقارير الكثيرة فإذا بي قد أمضيت حوالي الساعتين عند منزل واحد فقط.
ليلة الإسناد كانت رائعة
أما خالد الشلاقي فكان سعيداً بليلة الإسناد التي وافقت (13-5-1431هـ)، وقال:
تحولنا إلى ما يشبه رجال الأمن فعلاً، كنا نقف على مفترق الطرقات الرئيسة بمعية رجال الأمن، وكان التلاحم بيننا وبين رجال الأمن يثير فضول كثير من المسافرين عن سر هذا الزخم العددي.
أما عن المواقف التي يتعرض لها العدادون فهي كثيرة، حيث تعرضت شخصياً لعدد من المواقف الطريفة، حيث وجدت وافداً من جالية عربية شقيقة يتظلم من كفيله الذي حرمه من حقوقه المالية قرابة العام الكامل، وكان يظن أن هذا من صميم عملنا، أما أطرف المواقف على الإطلاق فيضيف الشلاقي:
في إحدى المرات قررت البدء في عدّ عمارة سكنية وفي أحد الأدوار العلوية تلتقي فيه ثلاث شقق، دخلت إلى باحة الدور فوجدت الدخان الكثيف يتصاعد من إحدى الشقق، فهالني الموقف وهرعت أطرق بعنف على أبواب الشقق محذراً إياهم من حريق هائل محتمل، فخرج الجميع مذعورين، وتفاجأنا أن آخر من خرج منهم هو صاحب الشقة المحروقة، ولما ظهر علينا لم يبدِ أي تخوف وسألنا ما بنا؟
فقلنا: الحريق.. واكتشفنا أن الدخان لم يكن إلا بخوراً كثيفاً تستخدمه نساء هذه الجالية العربية لأغراض طبية!
الضيافة تحرجنا
ويقول سعد الجرواني (عداد):
يقابل موظف التعداد الكثير من المواقف المحرجة والطريفة مثل زيارة عائلات لا تتعامل باللغة العربية ولا الإنجليزية (كالأوردو والصينية وغيرها)، فنجد صعوبة بالغة في فهمهم، وكثيراً ما نستعين بصديق.
ويستطرد قائلاً:
دخلت ذات مرة منزل أسرة وقابلت أحد الشباب وكنت أكتب بياناته وأخبرني أنه متزوج وكتبت ذلك في الحقل المخصص، وبعد خروجي منه لحق بي وسلمني كرت دعوة للزواج وشكرته، ولما فتحته وجدته دعوة زواجه هو، فعدت إليه وطرقت الباب وسألته: هل هذا زواجك الثاني حتى أكتبه في الاستمارة، وأخبرني أنه زواجه الأول، فعرفت أنه يظن أن عقد القران يكفي لكتابة متزوج في خانة الحالة الاجتماعية.
ومن المواقف التي يراها محرجة يقول الجرواني: معروف عن أهالي رفحاء وأهالي الشمال عموماً الضيافة والترحيب بالزائر، وهذا يتطلب منا أن نشرب القهوة والشاي في كل منزل، وفي أحد المنازل أحضر لي رب الأسرة حليب نياق، فاضطررت لشربه مجاملة ولكني دفعت ثمن ذلك بتأجيل العد لليوم التالي، بالطبع تعرفون أثر شرب حليب النياق على الباطنية!
أما أطرف موقف فيقول:
قضيت فترة ساعة زمنية بتعبئة بيانات أسرة كبيرة مكونة من 19 شخصاً، وكنت فرحاً بنهاية هذا الإنجاز، وبعد ثلاثة أيام مررت من عند هذا المنزل فوجدتهم يستعدون للرحيل إلى حارة أخرى.
استمارة إلكترونية
وعن مطالبات منسوبي التعداد يقول عبد الله العنزي (عداد):
أقترح استبدال الاستمارات الورقية باستمارات إلكترونية، عن طريق تصميم برامج حاسوبية على غرار البرامج الموجودة في بعض الوزارات، بحيث يتيح هذا البرنامج الحاسوبي إكمال الحقول تلقائياً بدلاً من إعادة الكتابة في كل مرة، خذوا مثلاً هناك حقل الزوجة وبجانبه حقل (أنثى - ذكر)، وكذلك حقل (غير سعودي) فالمفترض اختفاء حقل (للسعوديين فقط) تلقائياً، وهكذا بحيث نضمن السرعة في الإنجاز مع الدقة، ويضيف العنزي:
وأرى أنه يجب على كل موظف تعداد تكوين قاعدة بيانات العمل المكلف به، بحيث يتم إرسالها من قبل مراقب ومشرف التعداد إلى مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات مباشرة للحفاظ على سريتها من جهة، وسلامتها من الضياع أو السرقة من جهة أخرى إضافة إلى تحقق عنصر السرية في الحفاظ على المعلومات الأسرية بعيداً عن العيون التي ترقب هذه الاستمارات المتناثرة على الطاولات.
زيادة التوعية الإعلامية
وعن مقترحاته لتطوير العمل يقول عطية العطية:
أحياناً يتصل عملنا إلى الساعة الثانية والنصف صباحاً، لمواصلة العمل المكتبي بعد العمل الميداني لما يتطلبه ذلك من كتابة وتفريغ بيانات ومراجعة وخلافه، فأقترح منح إجازة أيام العد وخصوصاً لفئة المعلمين الذين يقومون في اليوم التالي بالتدريس، وهذا الإرهاق يؤثر على العملية التعليمية والتربوية، فالمعلم يؤدي جهداً ميدانياً يتطلب منه أن يكون نشيطاً دائماً.
ويوافقه على ذلك خالد الشلاقي مؤكداً حاجة المعلم للراحة فعلاً، ويضيف:
وأقترح زيادة التوعية الإعلامية.. مؤكداً أنه لم يشعر بأثر الحملات الإعلامية التي تقوم بها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عند كافة الشرائح، ويقترح زيادة الحملات في القنوات الفضائية التي تحظى بمتابعة أكثر، وعمل حملات متخصصة في الشوارع والمدن على غرار أسابيع المرور بحيث تلفت الأنظار وتصل إلى كافة شرائح المجتمع.. أما حمود الشرعان فيقترح زيادة المكافأة، حيث يحصل العداد على 200 ريال يومياً مقابل خمس ساعات عمل ميداني، ولكنه في الواقع يقضي حوالي 10 ساعات (بلا مبالغة) يومياً في أعمال مكتبية تبعده عن أسرته ومصالحه الشخصية، فالزيادة مطلوبة مقابل هذا الجهد الكبير الذي يقوم به العدادون.
الماسح الضوئي لأول مرة
(الجزيرة) حملت التساؤلات وتوجهت إلى القسم الإداري حيث تحدث سلطان المطيري (مراقب) والذي قال:
للتعداد السكاني أهميته القصوى إذ يترتب عليه التخطيط لحياة المجتمع بحسابات دقيقة من حيث التنمية والخدمات وكل شأن من شؤون الحياة.
ويُعتبر التعداد السكاني من أهم أدوات إعداد البحوث السكانية، فمن خلاله يدرس الباحثون التركيب العمْري والنوعي للسكان، فيعرفون اتجاه نموهم ونشاطاتهم المختلفة.. مشيراً إلى أن أول تعداد أُجري في أمريكا عام 1790م وما زالوا يجرون هذا التعداد كل عشر سنوات، ولم يتوقف خلالها مما يؤكد أهمية التعداد للدول المتقدمة فلا بد أن يكون هناك بيانات تفصيلية.. وأشاد المطيري بجهود المملكة.. مشيراً إلى أنها تتميز بين دول الشرق الأوسط في تطبيق الماسح الضوئي لقراءة الاستمارات الورقية وهذا يحدث لأول مرة في التعداد بمرحلته الحالية.. إضافة إلى إدخال التقانة الحديثة بأيدٍ سعودية، وعن مقترحاته لتطور العمل أضاف المطيري قائلاً:
التخلص من كثرة الاستمارات الورقية.. هذا مطلب ملح في ظل تطور التعداد عن السابق.. والأفضل تحويل العمل إلى برامج حاسوبية مصممة لهذا الغرض، كذلك زيادة مكافأة العالمين وخصوصاً العدادين تتناسب مع الجهد المبذول بحيث لا تقل عن 500 ريال يومياً، ولا بد من اختيار عدادين وفق معايير أكثر صرامة بعيداً عن المحسوبية والأهواء الشخصية، وثمة مقترح بإضافة حقول أخرى في الاستمارات الحالية بحيث تخدم الخصائص السكانية مثل الحالات الاقتصادية (كالراتب والدخل)، وقد كانت موجودة في السابق، وأرى أنها تخدم الباحثين، وتخدم الجهات الخيرية مثلاً ونحو ذلك.
جديد التعداد هذا العام
أيضاً توجهنا بهذه المطالبات والمقترحات إلى مفتش التعداد فهد الصييفي حيث تحدث عن إدارة الوقت رداً على الهدر الذي يصاحب عمل العدادين فقال:
وجود معوقات تساهم في هدر وقت بعض العدادين ترتبط بثقافة المجتمع، ولا يمكن السيطرة على هذه الأمور، ولكن يمكن التعامل معها بحكمة، وفي قراءة للوقت المثالي الذي يستغرقه العداد في الحد المتوسط وجدت أنه يمكن للعداد إنجاز بيانات ثلاث أسر في الساعة الواحدة بمعدل 20 دقيقة لكل أسرة، بمعنى أنه يمكن إنجاز بيانات 15 أسرة يومياً كحد متوسط.
وعن العمل الإلكتروني أضاف أن العمل الحاسوبي عموماً قد نحتاج معه إلى تجاوز عقبات إلكترونية كثيرة، إذا ما اكتفينا به بديلاً للورق، وللمعلومية فالعمل الإلكتروني معمول به عند قراءة الاستمارات إلكترونياً عن طريق ماسحات ضوئية.. وهذا معمول به لأول مرة في تعداد هذا العام، إضافة إلى تحديد إحداثيات مناطق العد حيث ستكون هناك قاعدة جديدة لعمل نظام معلومات جغرافية وهو ما نفتقده سابقاً.
وأضاف مقترحاً في فترة (حصر وترقيم الأحياء والمباني) قبل العد الفعلي حيث يقوم المفتشون والمراقبون بترقيم الأحياء والبلوكات والمباني والوحدات السكنية وغيرها.. وذلك بطريقة تبدو بدائية من وجهة نظري، حيث يستخدمون بخاخات الألوان (البوية) للكتابة على جدران المباني يدوياً، وفي هذا تشويه للمنظر العام، وهدر للوقت والجهد، والأفضل التنسيق مسبقاً مع الإدارات الأخرى المعنية بترقيم مسبق للأحياء بوضع لوحات معدنية دائمة تخدم كافة القطاعات المستفيدة مثل الصحة والدفاع المدني والهلال الأحمر وغيرهم بدلاً من الكتابة اليدوية التي تتطلب إعادتها في كل مرحلة.
أيضاً نقترح للأسر التسجيل إلكترونياً ونسخ صورة من بياناتها وتزويد العدادين بها حفاظاً على الوقت للطرفين، ولكن هذا يتطلب ثقافة مجتمعية لم نصل إليها في كثير من المناطق.
وطالب الصييفي بزيادة حملات التوعية.. مشيراً إلى أنها تحتاج إلى الوصول لكافة الشرائح بمستوياتها التعليمية والمعيشية المختلفة في اللغات المتوقعة، أما عن مقترحات العدادين بزيادة المكافأة المخصصة لهم وبمنحهم إجازات أيام العد الميداني فأجاب قائلاً:
فعلاً مكافأة العدادين قليلة مقابل ما يبذلون من وقت وجهد.. وأرى زيادتها إلى الضعف، أما الإجازات فهناك أكثر من 43 ألف عداد على مستوى المملكة، وقد يكون من الصعوبة تفريغهم، ولكن هذه الفكرة تبدو منطقية في نظر العداد نفسه وخصوصاً فئات المعلمين.