Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/05/2010 G Issue 13736
السبت 24 جمادى الأول 1431   العدد  13736
 
شذرات اقتصادية
قرار إعفاء
د. عبدالعزيز إسماعيل داغستاني

 

يحكى أن مستثمراً يمتلك منشأتين. الأولى تعمل في مناخ احتكاري تنتج سلعة لا بديل لها، أو لنقل إن بدائلها المتاحة غير كاملة. والثانية تعمل في مناخ تنافسي تنتج سلعة لها بدائل عدة في السوق. وفي نهاية كل سنة مالية يجتمع هذا المستثمر مع مديري المنشأتين لمراجعة حسابات كل منشأة والاطلاع على أوضاعها المالية ومتابعة أدائها والوقوف على أرباحها واتخاذ القرارات اللازمة.

وفي اجتماعه السنوي الأخير معهما، عرض عليه مدير عام المنشأة التي تعمل في سوق تنافسية أوضاع منشأته التي تأثَّرت بظروف المنافسة الشرسة في السوق وخرجت بخسارة صافية. وعندما جاء دور مدير عام المنشأة التي تعمل في مناخ احتكاري، انبرى في شموخ يسرد منجزات منشأته ويقدم نتائجها المالية مفاخراً بالأرباح الصافية التي حقَّقتها خلال العام. وفي محاولة منه لتخفيف وطأة خسارة المنشأة الثانية على المستثمر صاحب المنشأتين، قال بنبرة فيها كثير من الثقة بأنه سيعمل جاهداً خلال العام القادم على تحقيق أرباح أعلى يعوِّض بها على المستثمر خسارته التي منيت بها المنشأة الثانية هذا العام. انفض الاجتماع وتفرغ المستثمر الحاذق لاتخاذ القرارات التي تكفل بقاء ونمو استثماراته.

وبعد تفكير عميق أصدر المستثمر قراراً بإعفاء مدير عام المنشأة التي تعمل في مناخ احتكاري عن عمله، وتجديد الثقة في المدير الذي يدير المنشأة التي تعمل في مناخ تنافسي.

وعللّ المستثمر قراره الجريء بأنه إذا كان بإمكان مدير عام المنشأة التي تعمل في مناخ احتكاري أن يرفع أرباحها في العام القادم، فلماذا لم يفعل ذلك هذا العام؟ وارتكز المستثمر في قرار الإعفاء على أن المدير العام الذي يتراخى في تعظيم أرباح المنشأة التي يديرها لا يستحق الاستمرار في إدارتها.

وقد كان قرار المستثمر نابعاً من إدراك موضوعي لآلية تحقيق الأرباح في ظل نظامي الاحتكار والمنافسة ومدى تأثُّر تلك الأرباح بآلية السوق وحسن الإدارة واختلاف تأثيرهما بين سوقي الاحتكار والمنافسة، إذ يكون تأثير السوق في حالة المنافسة عنصراً مهماً وحاسماً في مستوى الأرباح، بينما يمتلك المحتكر أدوات التحكُّم في السوق.

استرجعتْ ذاكرتي هذه «الحكاية» وأنا أقرأ تصريحات بعض المسؤولين الذين يديرون بعض الأجهزة الحكومية ذات الطابع التجاري الربحي التي يفترض أن تخضع لبرنامج التخصيص، وهم يردِّدون القول بأن تخصيص أجهزتهم سيؤدِّي إلى تحسين أدائها وقدرتها على تقديم خدمات أفضل وتحقيق أرباح مجزية.

نحن ندرك أن هذا القول حق يستند على حقيقة أن إدارة القطاع الخاص لمثل هذه الأجهزة الحكومية ذات الطابع التجاري الربحي ستحقِّق عملياً تلك النقلة في تحسين الأداء والقدرة على تقديم خدمات أفضل وتحقيق أرباح مجزية.

ولكن أليس بالإمكان أن تحقق هذه الأجهزة الحكومية بعضاً من هذه التطلُّعات، إن لم نقل كلها، بإدارتها الحالية؟ ألا يمثِّل إخفاق بعض المسؤولين عن هذه الأجهزة الحكومية في تحقيق هذه التطلُّعات حالة من الفشل الإداري والتسيُّب المالي تتستَّر تحت ذريعة طبيعة الإدارة الحكومية لهذه الأجهزة وما يحكمها من أنظمة وإجراءات؟ ألا يفصح واقع هذه الأجهزة الحكومية، أو بعضها على أقل تقدير، عن تراخي المسؤول الأوَّل عنها وغياب روح المسؤولية في العمل؟



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد