Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/05/2010 G Issue 13736
السبت 24 جمادى الأول 1431   العدد  13736
 
مجداف
النساء وجرائم غسل الأموال
فضل بن سعد البوعينين

 

لم تعد الجرائم المالية الخطرة مرتبطة بالرجال فقط، فالدراسات الأمنية الغربية تشير إلى تنامي ظاهرة استغلال النساء في تنفيذ عمليات مالية مشبوهة، ربما كان من المتعذر على الرجال القيام بها. تستغل جماعات الإجرام في دول الغرب العنصر النسائي لتجاوز الحواجز التي لا يمكن للرجال تجاوزها، بطرق غير قانونية، وربما غير أخلاقية أيضا، ما يجعل أمر تمرير العمليات المالية عن طريق القطاعات المصرفية، والنقاط الحدودية أكثر سهولة وتمكينا. تتطور تلك العلاقة الاستغلالية إلى عمليات ابتزاز مباشرة، تحول دون قدرة الجهة المستهدفة على التراجع، أو التوقف عن الانخراط في تسهيل العمليات المالية المرتبطة بجماعات الجريمة المنظمة.

لاحظت وحدة الرقابة الداخلية في أحد المصارف الغربية تنامي حركة الإيداعات النقدية في أحد فروعها البعيدة عن المحيط التجاري. لم تمنع ربحية الفرع، ونمو ودائعه، وحدة المراقبة من التدقيق في القيود اليومية عن طريق شبكة الكومبيوتر، قبل الانتقال إلى التدقيق الميداني الذي كشف عن علاقة مشبوهة بين مدير الفرع وحسناء مترفة، تزعمُ انتمائها إلى الطبقة المترفة!. لم تكن تلك الحسناء إلا عضوا فاعلا في جماعة إجرامية منظمة، ومسؤولة عن إدخال أموال تجارة المخدرات للقطاع المصرفي. نجحت الحسناء في استمالة مدير الفرع، وإيقاعه في حبائلها، ما مكنها من استغلاله لاحقا في تنفيذ أهدافها الرئيسة في غسل الأموال.

استغلال العنصر النسائي في تجنيد المتعاونين، أو ابتزازهم، في الغرب، قد يمتد إلى شخصيات قضائية، سياسية أمنية وفق خطط إستراتيجية محكمة تضمن للمجرمين تحقيق أهدافهم والحصول على حصانة تؤمن لهم البقاء بعيدا عن أروقة المحاكم، وسطوة القانون.

قد لا يكون الجمال وحده وسيلة لاقتحام الحصون المغلقة، فعصابات المافيا نجحت في تجنيد بعض طالبات الجامعات المتفوقات في علوم الكومبيوتر، وشبكات الإنترنت للتعامل مع شخصيات مستهدفة والحصول منها على ملفات خاصة يمكن أن تستغل لاحقا في ابتزازهم، أو انتحال شخصياتهم الإلكترونية، أو للتعامل الحذق مع أنظمة البنوك العالمية، وشبكات التبادلات المالية في نقل الأموال القذرة بين الحسابات المصرفية الموزعة حول العالم بطرق معقدة يصعب تتبعها والوصول إلى مصادرها الرئيسة. ترى جماعات المافيا في العنصر النسائي الكفاءة في الجانب التقني؛ والقدرة الفائقة على تجنيد المُستَهدَفين أو ابتزازهم!، والضعف الذي يجعلهن أكثر خضوعا لسيطرة الجماعة وتحكمها.

ولكن: ماذا عن استغلال العنصر النسائي في عمليات غسل الأموال في المنطقة؟. أعتقد أن ضعف الثقافة المالية، الأمنية، والقانونية يمكن أن يقود بعض النساء إلى عالم الجريمة المالية دون علم منهن. وأعظم من ذلك أن يستغل الرجال علاقاتهم الزوجية، أو أية علاقات جانبية في إرغامهن على تنفيذ عمليات غسل أموال لمصلحتهم الخاصة، أو لمصلحة جماعات الإجرام والإرهاب الدولي. أعتقد أن عنصر الجهالة ربما كان سببا من الأسباب الرئيسة لإرتكاب العنصر النسائي لمعظم جرائم غسل الأموال المسجلة، وهذا لا يعني، قطعا، نفي ارتكابهن بعض الجرائم المالية عن علم وبصيرة، ورغبة ثابتة.

أشارت صحيفة «الوطن» السعودية إلى أن « القضاء السعودي العام حاكم 346 متهما بجرائم غسل الأموال؛ بينهم 24 امرأة، و322 رجلا، وبلغ مجموع القضايا التي رُفعت ضدهم 208 قضايا نظرتها المحاكم في 8 مناطق بالمملكة، خلال خمس سنوات منذ عام 1425 وحتى عام 1429. وفيما صدرت أحكام إدانة بحق 175 شخصا، لم تثبت إدانة 92 متهماً واستمر نظر قضايا 79 متهماً أمام القضاء حتى تاريخ جمع المعلومات نهاية عام 1429».

وجود 24 إمرأة ضمن من وجهت لهم تُهم جرائم غسل الأموال تفتح ملف اقتحام النساء محليا عالم الجرائم المالية، أو استغلالهن في مثل تلك الجرائم الخطرة، وإن كانت نسبتهن لا تتجاوز 7 في المائة من إجمالي العدد المُعلن. قد يحدث الاستغلال نتيجة العلاقات الأسرية، الثقة، العلاقات المحرمة، الجهل بالقوانين والأنظمة، أو الجهل التام بالعمليات المالية المصرفية المعقدة، وهذا لا يعني استبعاد فرضية وجود بعض النساء ممن لديهن الاستعداد التام لدخول عالم الجريمة تحت إغراء الكسب المالي السريع، والإثراء غير المشروع.

جريمة غسل الأموال ما زالت غامضة في تفاصيلها لمعظم شرائح المجتمع؛ النساء والفتيات؛ على وجه الخصوص، ما يعني وجوب أن تكون هناك حملات توعوية مكثفة في هذا الجانب لحمايتهن، وأفراد المجتمع من الاستغلال والدخول في جرائم مالية ربما أنهم لا يعتقدون بحرمتها، وتجريمها من الناحية القانونية. تطبيق قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب كما يجب، والإلتزام بمعايير منظمة ال FATF في القطاع المصرفي، قد يحد من عمليات غسل الأموال، أو ربما يمنع حدوثها، إلا أن ذلك لن يضمن تحقيق الحماية لأفراد المجتمع من الوقوع في شباك المجرمين لأسباب معرفية. المجتمع في حاجة إلى جرعات تثقيفية مركزة بدءا من المدارس الثانوية، الجامعات، النوادي والتجمعات الإنسانية؛ إضافة إلى الدور الرئيس للإعلام، خطباء المساجد، منتجي البرامج المتخصصة، الإعلانات التثقيفية، وبرامج الدراما العائلية. رفع مستوى ثقافة المجتمع في جرائم غسل الأموال قد تحول، بإذن الله، دون استغلال أفراده في تنفيذ جرائم مالية يجهلون تفاصيلها، وصفتها القانونية.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد