Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/05/2010 G Issue 13736
السبت 24 جمادى الأول 1431   العدد  13736
 
المنطقة ومعضلة إيران النووية
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

صحيح أن حرب الخليج الأولى أشغلت إيران الثورة عن مواصلة سياساتها الهادفة إلى تصدير ثورتها الفارسية المذهبية للدول العربية، إلا أن حرب الخليج الثانية مكنتها من التقاط أنفسها مرة أخرى وإعادة تنظيم وتفعيل قدراتها القومية، ومن ثم تقوية دعائم وأركان نظامها السياسي والاقتصادي وبالطبع منظومتها العسكرية.

فحرب الخليج الثانية أشعلت نيران الفتنة في العالم العربي، بل وحتى الإسلامي، واستنزفت الكثير من موارد وطاقات وإمكانيات الدول العربية، كما وساعدت على تعريض المنطقة لكم هائل من الاختراقات الإقليمية والدولية. وحرب الخليج مكنت إيران من توسعة نفوذها وتحالفاتها في المنطقة العربية خصوصا في سوريا ولبنان تحديداً بعد تبنيها لحزب الله اللبناني ما أن انتهت الحرب الأهلية اللبنانية.

وصحيح أيضاً أن إيران الثورة بعد أن حاولت توسعة نفوذها في منطقة الخليج بكافة الوسائل والسبل، وكان نصيبها الفشل، وبعد أن تحولت بالفعل إلى إيران الدولة التي تروم التعايش مع الدول الخليجية والعربية خصوصاً في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، إلا أن الحقيقة الأصح تؤكد أن ذلك الوضع لم يدم طويلاً بعد أن تحولت إيران الدولة إلى إيران النووية لتدخل إيران والمنطقة برمتها معها في عنق زجاجة هشة من السهل جداً تهشمها.

وصحيح أيضاً أن إيران (أياً كانت إيران) كانت ولا زالت تسعى إلى تحقيق أمن منطقة الخليج، ولربما الأمن العربي كما تدعي، من خلال منظومة خليجية أمنية ذاتية بحتة تعتمد على دول الخليج العربي من مختلف جوانبه العربية والفارسية، ودون وجود للقوات الأجنبية في المنطقة.. لكن الحقيقة تلك وإن كانت جميلة ومرغوبة، بل ومطلوبة من الجميع، إلا أنها تتناقض تماما مع أفعال وسياسات وتحركان إيران التي لم تكن لتعكس ما تدعيه وتطالب به. تتضح هذه الحقائق الأبرز في إصرارها على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، ومواصلة محاولاتها لاختراق الدول الخليجية والعربية بتهديد أمنها واستقرارها.

فإيران الثورة أو إيران النووية تعرف كيف تصطاد في الماء العكر، وتعرف كيف ومتى تتحالف، ومع من تتحالف، لتقوية أوضاعها وتعزيز مكانتها وتوسعة مناطق نفوذها وهيمنتها للحصول على كروت رابحة يمكن اللعب بها بنجاح في المنطقة العربية، بل وحتى غير العربية تحديداً في الباكستان وفي أفغانستان عندما بدأت تتدخل في تلك الدول، بل ويقال إنها عرفت كيف تدعم وتتعاون مع عناصر من تنظيم القاعدة في مختلف الدول المحيطة بها والتي تمثل مواقع لأطماعها الحالية والمستقبلية.

إيران منذ عام 2005م، وتحديداً منذ أن وصل الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم، تحولت إلى إيران النووية، ولتصبح معضلة جديدة من معضلات المنطقة، بل المعضلة الأخطر والأعظم على أمن واستقرار المنطقة برمتها.

فالصراع السياسي والحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي الذي اندلع حول إيران ونيتها وسياستها ومنشآتها النووية ومحاولاتها لتخصيب اليورانيوم في داخل إيران لم ينته منذ ذلك العام وحتى الآن، وسيبقى إلى أن تحسم الأمور وفقاً لمصالح وغايات الأطراف المعنية بذلك الصراع من داخل المنطقة ومن خارجها.

الواضح حتى الآن بقاء حالة ما يسمى بأزمة أو معضلة إيران النووية في المنطقة لشهور قادمة ولكن قطعاً لن تستمر طويلاً. وذلك مع وجود إصرار من قبل جميع الأطراف المعنية بالصراع على الاستمرار في حالة الصراع طالما استمرت إيران في إصرارها على المضي قدماً في برنامجها النووي وفقاً لمخططاتها القومية.

والإصرار بات واضحاً، ومتبادلاً أيضاً، فالغرب، كما هو واضح حتى الآن، لا يمكن أن يقبل بإيران الفارسية العقائدية كشريك أو كند في السياسة الإقليمية أو الدولية وذلك فيما لو نجحت إيران في تحقيق أهدافها وغاياتها النووية وخصوصاً العسكرية.

وإيران الثورية النووية تريد تغيير موازين العلاقات والسياسات الإقليمية والدولية لصالحها بإصرارها على المضي قدماً في برنامجها النووي، وفي تقوية وتفعيل ترسانتها العسكرية، وفي استعراض عضلاتها العسكرية في الخليج العربي من خلال مناوراتها العسكرية في مضيق هرمز. حقاً ما الذي سيحدث؟ والأهم ما هي السيناريوهات القادمة في المنطقة بعد أن وصلت الأوضاع إلى طريق مسدود؟ إنها أسئلة إستراتيجية ومصيرية نتعرض لها في مقال قادم إن شاء الله.

www.almantiq.org


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد