Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/05/2010 G Issue 13736
السبت 24 جمادى الأول 1431   العدد  13736
 

ابراهيم بن عبد الرحمن التركي
كي يطول العمر

 

توشك أربعةُ أعوام أن تمر على رحيل أستاذنا الكبير «عبد الرحمن البطحي» (1357-1407ه) -عليه رحمة الله- ولن نسأل عن أوراقه ومكتبته؛ إذ يبدو أن الأهم هو تذكيرُ الأحياء بأن يتولوا أمر نتاجهم بأنفسهم وقت صحتهم، وألا ينتظروا من أولادهم فضلا عن المؤسسات الثقافية النيابة عنهم في العناية بمكتبتهم، ونشر مخطوطاتهم، وترتيب تسجيلاتهم وصورهم؛ إذ «لا عزاء بعد ثلاث»، ولا يبقى سوى ذاكرة شحيحة تترحم حين تطرأ ذكرى.

- يدرك محبو «أبي إبراهيم» أنه لم يكن معنيا بالتدوين التأليفي؛ فلا يتوقعون أبحاثا مكتملة، لكن له تهميشات وتعليقات وإجابات ونصوصا متناثرة كان حقها -مع مكتبته التي بناها خلال أكثر من نصف قرن- أن تتصدر الواجهة الجميلة لمجلسه العتيد في «مطلة» المشرفة على وادي الرمة وقريتي «الجوي والعيارية» الموغلتين في أعماق الزمن.

- مضى المؤثِر ولم يبق الأثر، ولولا ثلة من أصفيائه المحافظين على جلساتهم «الجُمْعية» و»الموسمية» لما بقي إلا استعادةُ أيام تَفِر من الزحام، وترديدُ بيتين للشاعر الدكتور عبدالرحمن السماعيل، وكنا وثالثُنا أستاذنا عبد الله العوهلي، بين من وقفوا عليه في ساعاته الأخيرة؛ فلم يع أننا قريبون منه، ووعينا أنه الأقرب لنا، ورددنا مع «أبي أحمد»:

خلفَ عينيكَ أستشف كآبهْ

تختفي خلف هيبةٍ ومهابهْ

كنتَ تخفي وكنتُ أعلمُ لكن

كيف للموت أن يعيدَ حسابهْ

- كان صاحبكم يَعجب ممن يُهدي مكتبته في حياته لجامعة أو مركز أو مؤسسة، ويراهم مفرطين؛ فهل يستغني العاشق عن حبه والساري عن دربه؟! ثم وعى أنها البصيرة قادتهم ليطمئنوا على إرثهم كيلا يبقى «يتيما» بعد انطفائهم، ولعلها رسالة لمن كتبه رعيةً دون راعٍ بعده، أن يوصوا بها، ولو لمكتبات مدارسهم ومعاهدهم، وللمكتبات العامة في مدنهم، بعدما ضاقت المكتبات الكبرى بما لديها من مقتنيات وإهداءات.

- وربما جازت هنا الإشادة بما عمله الصديق الأستاذ عبدالعزيز الحمد البسام؛ حيث أهدى مكتبة شقيقه الشاعر المبدع عبدالملك -شفاه الله- لمكتبة مركز «ابن صالح في عنيزة» لتنضم إلى مكتبات الأساتذة: «صالح بن صالح وعبدالعزيز المساعد و إبراهيم الحسون -رحمهم الله- وإبراهيم القدهي حفظه الله»، وفي هذه المكتبات الشخصية -إضافة لقيمتها المعرفية- فرصة لقراءة تاريخية اجتماعية؛ فالكتاب عنوان تحته كثير من التفاصيل.

- لرحلة العمر نهايتُها، والصمتُ يُغيب الأحياءَ قبل الأموات، والذاكرة المجتمعية لا تستوعب غيرَ ما تراه أمامها، وفي طبيعة الصحراء ارتهانُها للأقوى، واسألوا شِعرها يفسر هذه المفارقة؛ فهو مستلبٌ للحناجر المَلْهاة، والآذان المبتلاة، والأكف التي تصدق وتصفق، وهو-في شكله العامي- ملتفت إلى نجوم الأرض ولا شأن له بمن تخفيهم الدجنة، وهذا عينه هو ما يمارسه العقوق الثقافي الذي لا يرى غير الوجوه النابضة بالحضور المكرور.

** وإذا كنا نعتب على بعض أفراد الأسر الذين لا يأبهون بالموروث الشخصي لرموزنا العامة فإن اللوم يتوجه أكثر إلى المؤسسات الثقافية الرسمية والشعبية التي لا تمتلك تنظيما استباقيا يسد ثغرات الثقافة الشفاهية ويحفظ خزاناتها، وإن كنا نثمن جهود المكتبة الوطنية والدارة في تسجيل بعض المرويات، ونتطلع لنشرها وتعميمها.

- الذاكرة حياة لا تنتهي .

Ibrturkia@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد