تصوير - سيد خالد - بريدة - مكتب الجزيرة
ضمن برنامج كرسي صحيفة الجزيرة للدراسات الإعلامية بجامعة القصيم، شهدت قاعة المحاضرات بنادي القصيم الأدبي بمدينة بريدة في أمسية ماطرة شهدت حضوراً كبيراً، محاضرة للدكتور عبدالعزيز محمد قاسم الإعلامي المعروف، حملت عنوان (الإثارة في العمل الإعلامي: تجربتي الشخصية)، قدمها الزميل بندر الرشودي المشرف على التحرير بمكتب صحيفة الجزيرة بالقصيم، الذي أكد في البداية أن استشعار مسؤولي الجزيرة لمسؤولياتهم الإعلامية تجاه المجتمع نبع منه نشر كراسي الجزيرة العلمية في الجامعات السعودية كفكرة رائدة داعمة لمسيرة العمل الإعلامي بالمملكة.
وتحدث الرشودي في مقدمة المحاضرة عن الإعلام كأحد أهم العلوم الإنسانية ومرآة للمجتمع متى ما استشعر الإعلامي مسؤولياته ومهامه في سبيل إيصال الرسالة السامية التي يضطلع بها، وذلك لما له من أثر بالغ في التأثير في حياة البشر ومساهمته في بناء الحضارة على قواعد ثابتة وأسس صحيحة تستمد ثباتها وصحتها من قيامها على الحق والحق وحده وباعتبار أن وسيلة الإعلام الأساسية هي الكلمة ومادة الكلمة هي الحقيقة والنظرية الأساسية في الإعلام أن يقال الحق دائماً.
كما قال الرشودي في استعراض لمراحل تفشي الإثارة الصحفية بالمجتمع: إن المتتبع لمراحل تفشي الإثارة الصحفية في بلاط صاحبة الجلالة يجد أن المفهوم الليبرالي هو من ساهم في نشر الإثارة عبر وسائل الإعلام من خلال تأكيده على أنها - أي الإثارة - هي عنوان تفوق هذه الصحيفة عن غيرها كما يقول اللورد نور ثكليف 1865م: (إن الخبر هو الإثارة والخروج عن المألوف .. فعندما يعض الكلب رجلاً فليس هذا بخبر، ولكن عندما يعض الرجل كلباً فهذا هو الخبر؟!)
كما يقول أماثيل ماكينيل: (الخبر هو جمع الحقائق عن الأحداث الجارية التي تثير اهتمام القراء لكي يقبلوا على شراء الصحيفة).
ثم قدم الرشودي السيرة الذاتية لعريس الأمسية الدكتور عبدالعزيز قاسم الإعلامي المعروف والذي بدأ محاضرته بتعريف الخبر المثير موضحاً أنه الخبر الذي يعطي للشيء حجماً أو بعداً أكبر بالاتجاه السلبي أو الإيجابي، مبيناً أنه لم تعد هناك مقاييس نستطيع أن نطلق عليها خبراً مالم تكن متلبسة بالإثارة؛ حيث أصبحت ضرورة عملية ومحددة للنجاح الصحفي من عدمه، وبعد أن كان الخبر يعتمد على الجدية تحول هذا التصور ليصبح عامل الإثارة المنطلق لكل خبر مؤثر أو ملفت للانتباه.
ثم تحدث المحاضر عن السياقات التاريخية للإثارة في الإعلام العربي التي بدأت مع مطلع القرن العشرين حين كان الكاتب مصطفى أمين يصدر بمشاركة أخيه صحيفته كاشفاً فيها حياة السياسيين والمشاهير والنجوم، لكنها مالبثت حتى تحولت الصحافة وتراجعت لصالح الأدبيات القومية والحكومية التي حولت النشاط الصحفي إلى خدمة أجندة إيديولوجية وعقائدية عطّلت فعاليتها ودورها الحقيقي، ويرى د. قاسم أن صحافة المهجر في السبعينات استطاعت أن تفتح فتحاً مؤثراً على المشهد الصحفي في الدول العربية حين ساهمت في تطوير الصحافة مهنياً وأدبياً.
وتطرق المحاضر إلى أسلوب الإثارة في المملكة العربية السعودية مقارنة بغيره من الدول العربية ليؤكد أن سقف الإثارة في الدول العربية كمصر والمغرب ولبنان أوسع بكثير من السقف الصحفي المحلي؛ حيث إن صحافة الدول العربية تتطرق بتوسع لمواضيع اجتماعية وثقافية ودينية، وقال بأن ما نظنه في المملكة العربية السعودية من سقف رفيع في أسلوب الإثارة والتركيز على سلوكيات مختلفة أو فئة معينة أو مؤسسة حكومية تعتبر في عرف تلك الصحف العربية بأنها في أقصى أطراف المحافظة.
وشبه د. عبدالعزيز قاسم عنصر الإثارة في الخبر كالملح في الطعام حيث تتأثر جودته بزيادته أو نقصانه، ويؤكد أن أي صحيفة تعتمد على الرصانة والجدية في الخبر فإن مصيرها سيكون الفشل والسقوط ولن يكون لطريقها النجاح إذا خلت من هذا العنصر، ويدين المحاضر إلى قناة الجزيرة بالفضل في هامش الحرية الذي نعيشه، وهو حق تاريخي يحسب لها كونها تطرقت لمواضيع وسعت هامش الحرية في كثير من الدول العربية، وأشار إلى أنواع الصحافة المثيرة مفرقاً بين الصحافة المغرضة والصفراء، بين التي تبحث عن الإثارة لأهداف خاصة وبين صحافة الإثارة الموضوعية والتي تستند إلى أرقام ومعطيات وحقائق واقعية يتم تقديمها بأسلوب مثير وكلمات رنانة قوية.
ثم عرج المحاضر على مظاهر الإثارة في الصحافة، والتي تتمثل غالباً في التركيز على مؤسسة أو هيئة معينة كما هو ممارس وموجود في واقعنا الحالي، وحذّر من خطورة زيادة الإثارة عن حدها كما حصل في الجانب الرياضي بمباراة مصر والجزائر ضمن تصفيات كأس العالم 2010م وما تبعه من ردود فعل عنيفة ونشر أكاذيب مختلفة من صحافة البلدين مما أزم العلاقات السياسية والدبلوماسية لتلك الدولتين.
بعد ذلك تحدث د. عبدالعزيز قاسم عن تجربته الشخصية بالإعلام والإثارة؛ حيث كشف عن العتب الذي تلقاه من بعض الشخصيات الإسلامية حين تبنى مشروع المكاشفات والحوارات مع شخصيات وتيارات متباينة حتى وصل الأمر بأن تمت مقاطعته من قبلهم، لكنه يقول إنه في الأخير اكتشف بأن من كانوا في موقف معارض لتوجهه وحواراته كانوا على خطأ ووجدوا كثيراً من الإيجابيات والمكاسب مما جعلهم يضطرون إلى الاعتذار منه، كما أشار إلى بعض السجالات التي بدأها في ملحق (الرسالة) بصحيفة المدينة حين نشر على مدى أسابيع طويلة جدالاً بين الشيخ صالح الفوزان والدكتور عبدالعزيز التويجري والمتعلق برأي فقهي يتناول مسألة الحجاب وضوابطه من خلال رأيين مختلفين وكان لتلك السجالات والنقاشات بينهما دور كبير في الإثارة ومدى تتبع أنصار وجهات نظر كلا الطرفين لتلك الحوارات، ولكنه صدم بأنه أصبح بين كماشتين؛ حيث إن كلا الطرفين يعتبان عليه، مبيناً أن تفكير المجتمع لم يكن صحياً ولو كان كذلك لكان من المفترض أن يشكره كونه أتاح الفرصة لكليهما.
وانتقد د. عبدالعزيز قاسم التيار الإسلامي الذي همّش الإعلام في الثمانينات وأوائل التسعينات حين أهمل هذا الملف المهم واكتفى بإنتاج خطابه ورؤاه من خلال الكاسيت وهو ما أتاح للتيار المضاد أن يتحرك دون مضايقة واستطاع تثبيت أقدامه داخل الإعلام، كما انتقد تعامل كثير من الشرعيين مع المرأة في تلك الفترة وبين أنه لم يعطها حقها ومكانتها في الحضور الإعلامي بسبب الفقه السائد آنذاك والنظرة القاصرة للإعلام، وانتقد المحاضر تصادم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإعلام مبيناً أن ذلك يؤجج من التراشق ويبعدها عن عملها الحقيقي والميداني ويصرفها عن دورها الاجتماعي، ذاكراً أنه سبق وأن خاطب رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبدالعزيز الحمين، حين حذّره من الوقوع في مغبة التراشق والتصدي للإعلام ومهاجمته.
وكان للمداخلات في المحاضرة نصيب من التفاعل والتي تأثرت كثيراً بعنوان المحاضرة وانتقلت لها عدوى الإثارة حيث تداخل د. أحمد بن صالح الطامي رئيس نادي القصيم الأدبي ورئيس الهيئة المشرفة على كرسي الجزيرة بجامعة القصيم منتقداً ميل الإعلام المكتوب والمرئي للإثارة في الأخبار العنيفة والحروب والكوارث والإثارة في تصيد الأخطاء والتركيز على جهات معينة وتضخيم سلبياتها وتجاهل إيجابياتها، وتساء د. الطامي عن كيفية تخلص الصحف عن الملاحقة القانونية حين تنتهج عنصر الإثارة في أخبارها بشكل مكثف، وأجاب د. عبدالعزيز قاسم بأن من حق الصحفي أن يختار جزئية صغيرة في أي خبر ويترك الباقي إذ إن الصحفي يبحث عن المكاسب العائدة من خلال تركيزه على تلك الجزئية، بخلاف الفبركة التي تأتي من بعض الصحف فإن الملاحقة القانونية ستتصدى لها، واعتبر د. سليمان الضحيان أن عبدالعزيز قاسم من أنجح الإعلاميين في الوسط الإسلامي، حين استطاع أن يخترق الإعلام الذي كان ممنوعاً ضد الإسلاميين، ورد د. قاسم أنه استطاع برغم توجهه المحافظ إلى أن يتفاعل ويتعامل مع كافة التوجهات الفكرية المختلفة مؤكداً أن الفكرة حين تناقش من زوايا مختلفة فإنها تنضج ولذلك أصبح عمله الإعلامي هو إشراكا لكافة الأطراف لمناقشة الأفكار والمواقف وهو ماساهم في قدرته على أن يخترق الإعلام ويضع له موقعاً فيه، وتوالت المداخلات من الحضور وكان للمداخلات المكتوبة نصيب من الأسئلة التي وجهت للمحاضر.
وفي الختام قدم الدكتور عبدالعزيز قاسم شكره الجزيل لصحيفة الجزيرة على إطلاقها لهذه المبادرة الممثلة بالكرسي المعني بالدراسات الإعلامية وأوصل شكره لجامعة القصيم وللهيئة المشرفة على كرسي الجزيرة بالجامعة ولنادي القصيم الأدبي على احتضانهم لهذه المحاضرة.