الحلم العراقي الجديد ظل قصة خبرية للعنف، وممارسة ديمقراطية صورية، بقي فقط فكرة مغرية عاجزة عن تقديم نفسها نموذجا منتظر الوجود.
الإشكالية ليست في صورة العراق وأمنيات المستقبل، بل في واقعٍ كل مؤشراته ليست مريحة، حتى بعد تجربة الانتخابات الأخيرة التي كانت صورتها الزاهية تبشر بمستقبل مختلف، إلا أن الألوان تغيرت، والحقائق على الأرض تظهر واقعا خطرا ومتداخلا في مكوناته واحتمالاته المفتوحة أيضا.
انتهت الانتخابات العراقية شكليا، لكن نتائجها بقيت مهمشة وعرضة للصراع الذي يتجاذب القوى الداخلية بامتداداتها الخارجية المعلنة، وصندوق الاقتراع لم يعد السحر أو الحكم، أو مصدر قرار كما بشرتنا الديمقراطية المرجوة، التي مولها الفساد، ويشوهها الفقر، ويهزها الأمن المفقود، وتفضحها الخدمات المتردية.
وفي وضع مثل هذا لا يمكن التوقع أو التنبؤ بعراق جميل في الأفق، صحيح أن المراهنة على المستقبل هي الثابتة، والعراق سيبقى بصيغة وأخرى، لكن لا شيء يظهر أن هذه الصيغة الجديدة ستكون غير هشة، أو خارج فكرة التقسيم الطارئة، ولا شيء يضمن أن التجاذب الذي يطيح بالعراق الآن سيؤدي إلى نتائج تصل إلى حد التوقعات المتفائلة في مستواها الأدنى.
دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، أحسنت في التعامل المتوازن مع الشأن العراقي الداخلي، والبقاء على خط متساوٍ من كل القوى، فالحقيقة الثابتة ألا شيء على الإطلاق يوحي باتجاهات واضحة، في ساحة تجاذب مفضوحة لم يستقم حالها الداخلي، حيث الداخلي عاجز عن تقديم نفسه بصيغة مستقلة في قراره وتوجهاته، وغير مؤهل لرسم خارطة طريق وطنية مستقلة.
والوضع القائم ليس سرا، وليس شاذا أيضا، وحين تتحول مساحة جغرافية، تحمل مؤهلات دولة إلى ساحة مفتوحة عبر التمويل والبرامج السياسية لقوى بعيدا عن عمقها الوطني الممكن، فإنها تصبح أقرب إلى ساحة بيع وشراء مهما كان لون الدم وتضحيات البشر.
عراق اليوم ساحة مفتوحة للصراعات والنفوذ الذي يتجاوز محيطه الجغرافي سيناريو سياسيا لا يختلف كثيرا عن بلد مثل لبنان، بل إن نتائجه في هذه الحالة أكثر عنفا وتوترا وجذبا لكل القوى الخارجية.
ساحة مفتوحة بالكامل مثل عراق اليوم لا تقبل مراهنات كبيرة على القوى المتوافرة على ساحته السياسية، طالما أن انتماءاتها صعبة التحليل والتدقيق، وتحظى بموثوقية أقل، على الرغم من الأمنيات بحلم عراقي جميل، قد يبدو بعيد المنال مؤقتا..!