(كل من عليها فان) الموت حق وكلنا سائرون في هذا الدرب، ولكن خير البشر منا من تبقى ذكراه العلمية والأدبية والتاريخية خالدة بأفعاله وأعماله وأخلاقه الفاضلة الصالحة الخيّرة. ففقدت محافظة الأحساء يوم الجمعة الموافق 9-5-1431هـ أحد أبرز علماء التربية وعلما من أعلام الفكر والأدب والتاريخ والثقافة
|
إلا وهو الأديب والمؤرخ والدبلوماسي المحنك الشيخ أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن عبد اللطيف المبارك -غفر الله له ولجميع المسلمين- عن عمر يناهز المائة عام، وصلي عليه بعد عصر يوم السبت الموافق 10-5-1431هـ في محافظة الأحساء حيث ولد بمدينة الهفوف حاضرة محافظة الأحساء عام 1333هـ وينتسب إلى قبيلة بني تميم المعروفة، علمٌ بارز من أعلام الأدب والفكر والثقافة والتاريخ.
|
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم
|
فالدنيا منقطعة زائلة فانية فلا ينبغي للعبد أن يشتغل بالفاني الزائل عن الباقي الدائم فالدنيا تجري وتسير بسرعة والنبي عليه السلام وصفها لهذا علمنا كيف نتعامل معها بقوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل فنحن في هذه الدنيا أمانات وودائع والموت يأخذ الأمانات والودائع.
|
فالعلم صدقة جارية لكن لأهميّته ذكر وحده، فهو من ذكر الخاصّ بعد العام، ولا يبعد أن يراد بالعلم أعمّ ممّا ينفع الدنيا أو الآخرة بقرينة إنّ الإسلام اهتمّ بالأمرين، وورد في الحديث: (ليس منّا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه) رواه ابن عساكر والديليمي والمسلمون تقدّموا بالعلم، وسقطوا حين سمحوا للعلم أن يهرب من أيديهم إلى الغرب، والغرب في الوقت الحاضر سيطر على العالم بالعلم ?هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ? (سورة الزمر 9)، ومن الواضح أنّ العالِم هو المسيطر على الجاهل.
|
إنّ العلم نَفَر من يد المسلمين، والنعمة إذا نفرت قلّما ترجع، فالعالم هو الذي يمنح الفكر و الثقافة ويؤثر في العقول التأثير المنشود، فالعالم بعلمه يفتح العقول، وينمي الفكر فإن العلماء هم سادة الناس وقادتهم الأجلَّاء على الخير، وهم منارات الأرض، وورثة الأنبياء، وهم خيار الناس، المرادُ بهم الخير، المستغفَرُ لهم.وللعلماء فضل عظيم؛ إذ الناس محتاجون إليهم في كل حين، وهم غير محتاجين إلى الناس.ولا شك أن بيان فضل العلماء يستلزم بيان فضل العلم؛ لأن العلم أجلُّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزُّ ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها ورقيها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين، والعلماء هم حملته وخزنته، وقد صدق القائل:
|
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـم |
على الهدى لمن استهدى أدلاّء |
وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنه |
والجاهـلون لأهل العلم أعداء |
ففز بعلم تعش حياً به أبداً |
الناس موتى وأهل العلم أحياء |
ففقيدنا الغالي قد رحل إلى العراق وتكبد مشاق السفر والغربة في طلب للعلم فتتلمذ على يد علمائها ثم استجاب لرغبة والده حيث طلب منه أن يعود إلى محافظة الأحساء ليبعثه إلى مصر لطلب العلم ثم رحل إلى مصر حيث التحق بجامعة الأزهر وواصل تعليمه حتى تخرج سنة 1371هـ وقد ناله من الصعاب والمشقة فتحملها رغبه في طلب العلم -رحمه الله رحمة واسعة- وإن كان فقيدنا الغالي قد رحل عن هذه الدنيا الفانيه فستبقى مؤلفاته ومآثره العلمية وسيرته العطرة باقية تخليدا لذاكره.
|
نعزي فيه أنفسنا وجميع أسرة المبارك بالإحساء وأخص بصادق العزاء والمواساة أخيه أ. د. عبدالله بن علي بن عبدالرحمن بن عبداللطيف المبارك وزوجة الفقيد وأبنائه الأستاذ مازن والأستاذ عدنان والأستاذ حاتم والأستاذ فيصل الأستاذ فهد وشقيقتهم ابنة الفقيد وجميع محبيه وأصدقائه وزملائه وتلاميذه وجيرانه
|
ولا حول ولا قوة إلا بالله فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا أبا مازن لمحزونون.
|
|