الصديق العزيز المهندس مازن اختصر حياة والده الشيخ الأديب أحمد المبارك في الكلمات التالية: «كانت حياة والدي حافلة بمسيرة العطاء في خدمة الوطن، فقد كرَّس كل جهده في خدمة السلك الدبلوماسي والثقافي، واهتم بالجانب الأدبي كثيراً حتى أصبح رمزاً من رموز الساحة الثقافة، وله العديد من المؤلفات الأدبية أهمها (رحلة الأمل والألم) التي تضمنت ذكرياته مع زملاء الدراسة في مصر في الحقبة الأولى، الذين أصبحوا بعد ذلك من رجالات الوطن ورغم أن حياة الوالد كانت بين العلم والعمل، إلا أنه كرَّس جلَّ وقته في رعايتنا وتعليمنا، فكان نعم الأب والصديق لنا، فرحمه الله رحمة واسعة».
وللأديب أحمد المبارك عطاء فكري تمثَّل في عدد كبير من المؤلفات في الأدب والتاريخ واللغة، منها (الدولة العثمانية معطياتها وأسباب سقوطها)، (الأحساء ماضيها وحاضرها)، (علماء الأحساء ومكانتهم العلمية والأدبية)، (عبقرية الملك عبد العزيز)، (رسائل في المودة والعتاب والاعتذار)، (الأمثال العامية في الأحساء ومقارنة بينها وبين الأمثال في بعض الدول العربية والخليج العربي)، وكتاب عن رحلته العلمية وعنوانه (رحلة الأمل والألم)، إضافة إلى حضوره البارز في النشاطات المنبرية داخل وخارج المملكة، حيث ألقى عدة محاضرات في القاهرة وفي عدد من مناطق المملكة، وقد شاركنا في خميسية الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - إبان إدارتي لمركز حمد الجاسر الثقافي بعدد من المحاضرات القيّمة التي أذكر منها: (ذكرياتي مع الشيخ حمد الجاسر وبدايات التعليم بالمملكة)، ثم محاضرة أخرى بعنوان (لمحات من الأدب في الأحساء)، كما أنه - رحمه الله - كان حريصاً على حضور الخميسية متى ما سنحت له الفرصة رغم البعد الجغرافي الذي يفصله عنها، ورغم مرضه الذي أقعده في السنوات الأخيرة، كان يحضر الخميسية تقديراً لصديقه الراحل الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -، وهو لم يكن بعيداً عن المشهد الثقافي في الأحساء، حيث ضم منزله المبارك ندوته (الأحدية) التي أقامها عام 1411هـ وذاع صيتها وشهرتها على مستوى المملكة، والتي كانت تعقد كل ليلة اثنين في مجلسه العامر، ويشارك فيها نخبة من رجال الفكر والعلم والأدب ويحضرها صفوة المجتمع وأساتذة الجامعات والكليات المقيمون في الأحساء وتلقى فيها المحاضرات وتعقد فيها الأمسيات الشعرية والقصصية والحوارات المفتوحة والمناقشات الأدبية، وقد استضافت كبار الشخصيات الثقافية والعلمية من داخل وخارج المملكة ولعبت دوراً بارزاً في إحياء التراث الفكري الأصيل والتصدي للحركات الفكرية المعادية للأدب العربي ولغته.
الشيخ الراحل كان على صلة مميزة بجيل الشباب لذا تنافس عدد كبير منهم بالتأليف عن مسيرته العلمية ومنهم الكاتب خالد الجريان الذي ألَّف كتاباً عن حياة المبارك بالاشتراك مع الكاتب عبد الله بن عيسى الذرمان في حدود 300 صفحة بعنوان (الشيخ أحمد المبارك رائد الأدب الأحسائي الحديث) وقد قدمه الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر وزير الدولة، وقرضه الدكتور يوسف بن محمد الجندان مدير جامعة الملك فيصل، كما ألَّف الدكتور خالد بن سعود الحليبي كتاباً مماثلاً بعنوان (أحمد بن علي آل مبارك شيخ أدباء الأحساء في العصر الحديث في عيون معاصريه) يقع في 220 صفحة، وتم توزيع هذين الكتابين في حفل تكريم المبارك - رحمه الله - في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية في 6-11-1423هـ، حيث اختارته اللجنة المنظمة كشخصية ثقافية لذلك العام، حيث توّجت مسيرة الفقيد الراحل المبارك بتكريمه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 1423هـ عندما كان ولياً للعهد، ضمن احتفالية الجنادرية.