كثرت في هذه الأيام التساؤلات حول ما يحدث في السوق العقاري في المملكة بين تقارير تؤكد انخفاضه بنسب ضخمة وأخرى تنفي ذلك تماماً وتؤكد ارتفاعه. والحق يقال إنه في ظل غياب الشفافية في سوق العقار السعودي، مدعوماً بعدم وضوح في المرجعية النظامية والقانونية لهذه الصناعة، وضياع دمها بين الأمانات والبلديات والمحاكم الشرعية وكتابات العدل والوزارات والهيئات واللجان، وتعدد الأنظمة والتشريعات واللوائح والاستثناءات، وغياب الإحصاءات العلمية الدقيقة، وانخراط أكثر من أربعين ألف مكتب عقاري في هذا المجال في المملكة حيث باتت مهنة من لا مهنة له، أصبحت عملية مسح السوق بشكل علمي والتنبؤ بمستقبله ضرباً من الخيال، وباتت معظم التقارير والآراء المنشورة هي مؤثرات ومحفزات تعمل على توجيه السوق لما يخدم مصالح ناشريها أو توجه معين للمصلحة العامة أو الخاصة.
من ناحية أخرى، فإن المستقرئ لأسعار العقار في مختلف مناطق المملكة يجد أن المستوى السعري وصل إلى حدود فاقت معدل القدرة الشرائية للمستخدم، ومن هنا يظهر اللبس واللغط في تعظيم معدلات الطلب، حيث وحسب مفاهيم التسويق العالمية فإن منشأ الطلب على أي منتج هو الحاجة الفطرية للفرد والتي تتحول إلى رغبة لتحقيق تلك الحاجة، وفي حال تلاقت هذه الرغبة مع قوة شرائية يتم اعتبارها طلباً. الواقع الحالي هو وجود رغبات كبيرة ولكن لا يوجد طلب يوازي المعدل السعري القائم للعقار في المملكة، وفي ظل غياب برامج التمويل الميسرة سواء من قبل القطاع العام أو الخاص فإن القدرة الشرائية ستظل مقيدة ومحدودة. لا أتحدث عن القدرة الشرائية للمستثمرين أو أصحاب رؤوس الأموال ولكن قدرة المستخدم النهائي للوحدة العقارية والتي يعتمد عليها المستثمر في حساب جدوى مشروعه العقاري من عدمه، وهو ما يسمى بالطلب الحقيقي.
إن الثبات النسبي في معدلات القدرة الشرائية سيحد بالتأكيد من عملية بيع الوحدات العقارية وسيضغط على المستوى السعري بشكل كبير، هذا وفي خضم موجات الارتفاع الذي يشهدها سوق الأسهم هذه الأيام والمؤشرات الإيجابية حول مستقبل السوق والتوقعات بارتفاعه، وبالمقارنة بالقنوات الاستثمارية الأخرى المحدودة في السوق السعودي فمن المتوقع أن تبدأ رؤوس الأموال بالتوجه لسوق الأسهم مرة أخرى مما سيزيد مستوى العرض في السوق العقاري ويضغط على المستوى السعري.
في مقابل ذلك هناك مقاومة ضارية من قبل ملاك العقار تسعى لإبقاء الأسعار في مستويات عليا، وحيث إن أغلب صناع العقار في المملكة هم من الأفراد أو الشركات العائلية التي تخصصت في المضاربة على العقار وليس تطويره، مما ضيق الخناق على القنوات الربحية لديهم فيما عدا شراء العقار وبيعه أو تطوير البنية التحتية له وتقسيمه وبيعه، لذا فإن تسليمهم بانخفاض الأسعار لن يكون بالأمر السهل.
لقد بدأ الصراع هذه الأيام متمثلاً في مسابقة «أطول نفس»، بين ملاك العقار وأصحاب المال من مستخدمين ومستثمرين، ينتصر للطرف الأول حيازة العقار والملاءة المالية وعدم وجود قنوات استثمارية مغرية تدفعهم للبيع، فيما ينتصر للطرف الآخر حيازة المال وانتعاش سوق الأسهم والضغط الإعلامي. وحتى نستطيع أن نحكم من المنتصر فعلينا متابعة السوق بشكل مستمر وشخصي، فإذا لاحظنا تزايد المعروض من الأراضي في الفترة القادمة حيث إن بدأت فستبدأ بأراض المنح، تليها المخططات والأراضي الخام الكبيرة البعيدة عن المدن ثم الأقرب فالأقرب، وبعدها المخططات الصغيرة ومن ثم قطع الأراضي المملوكة للأفراد بغية الاستثمار يردفها بعد ذلك الوحدات العقارية الأكبر فالأصغر والأقدم فالأحدث، فبذلك يكون أصحاب المال قد كسبوا الجولة. أما إذا استقرت الأسعار على ما هي عليه لنفس الأصناف السابقة بنفس الترتيب المقترح خلال الأشهر القادمة فإن ملاك العقار هم الفائزون.