منذ أن تولى (أوباما) الرئاسة في الولايات المتحدة منذ حوالي سنة وأربعة أشهر وهو يؤكد على ضرورة إحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك لمرور مدة طويلة على الصراع العربي الإسرائيلي، ولأهمية السلام في هذه المنطقة على السلام العالمي...
بل على مصالح الولايات المتحدة. إلا أنه من سوء الطالع أن أوباما تولى الرئاسة بعد أن سقطت حكومة الاعتدال في إسرائيل برئاسة (سفني ليفني)، ومجيء حزب الليكود الإسرائيلي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتنياهو)، وهو من الأحزاب اليمينية المتشددة في إسرائيل فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فهذا الحزب كان يعارض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967م، واعترض على مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد سنة 1991م، وحضر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك (شامير) والذي ينتمي لهذا الحزب ذلك المؤتمر مُكرهاً بعد أن هدد الرئيس الأمريكي بوش الأول بوقف المعونة الأمريكية السنوية لإسرائيل (عشرة مليارات دولار)، وعندما تولى رئيس الوزراء الحالي (نتنياهو) السلطة سنة 1996م لم يقم بأي بادرة نحو إحلال السلام، ولم يتصل بأي من القادة العرب الذين وقعت دولهم اتفاقيات سلام مع إسرائيل أو الفلسطينيين، بل أعلن معارضته لاتفاق (أوسلو) الذي تم بين الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها (إسحاق رابين) من حزب العمل والفلسطينيين في حياة (ياسر عرفات)، كما أن (شارون) صاحب مذابح صبرا وشاتيلا وهو من أعمدة حزب الليكود قبل أن يشكل حزباً خاصاً به (كاديما) لم يختلف عن (نتنياهو) في معارضته للسلام وهضم حقوق الفلسطينيين، بل كان يتفوق على (نتنياهو) في مجال العنف واستعمال القوة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. واليوم وقد تغيرت المعادلة السياسية ورموزها انطلاقاً من أن الولايات المتحدة تحكم من رئيس ليس منحازاً بالكامل لإسرائيل، بل يريد أن يصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية المزمنة، فقد أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي (نتنياهو) نوعاً من المرونة ولكنها ليست المرونة المطلوبة التي ستؤدي للسلام، وربما أن (نتنياهو) لجأ لهذا الموقف المتمثل في الموافقة على مبدأ الدولة الفلسطينية مجاملة للرئيس الأمريكي (أوباما)، بدليل أن الدولة الفلسطينية التي ينادي بها (نتنياهو) دولة ليست كالدول، فهي ستكون دولة محاصرة ومن دون سيادة، ودولة مجزأة.
ولم يكتف (نتنياهو) بتلك العقبة أمام السلام بالإضافة لعقبة الاستيطان في أراضي الفلسطينيين، بل إنه أتى بأم العقبات، فقد استبق إحدى زيارات (متشل) المبعوث الأمريكي للسلام الأخيرة للمنطقة بإعلانه بأنه في حالة قيام الدولة الفلسطينية فإن إسرائيل ستحتفظ بقوات في حدود الدولة الفلسطينية الشرقية لكي تحول -حسب رأيه- دون تسلل الإرهابيين لإسرائيل.
وبعد، فأي سلام سيتحقق في الشرق الأوسط ويؤدي إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي الذي تجاوز الستين عاماً، ما دام أن إسرائيل تضع العقبة تلو العقبة ومن النوع الثقيل في طريق السلام، فإسرائيل لم تكتف بعقبة الاستيطان الذي أدى إلى وقف المفاوضات بينها والفلسطينيين، ولا بعقبة الدولة الفلسطينية عديمة السيادة، بل أتت بما لم يأت به الأوائل عندما اشترطت لإقامة الدولة الفلسطينية السماح لها بمرابطة قوات إسرائيلية على الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية العتيدة. إن أفضل ما توصف به هذه العقبات بأنها معجزات للحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية، وهو بالتأكيد ليس في صالح إسرائيل على المدى البعيد، فعدم حل القضية وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة سنة 1967م سيؤدي إلى استمرار التوتر وانعدام الثقة وعدم الأمن والاستقرار، وقد يؤدي إلى العودة للعنف من الطرفين الذي كان سائداً قبل الدخول في عملية السلام. وعلى إسرائيل أن تختار إما الذهاب نحو الأمن والسلام أو العودة إلى التوتر والعنف.
ثم جاءت عقبة إسرائيلية أخرى في طريق إحلال السلام وهي مقتل أحد قياديي حماس محمود المبحوح واتهام المخابرات الإسرائيلية من قبل الدولة التي قتل فيها بذلك، ثم حلت العقبة الإسرائيلية الجديدة وهي نية إسرائيل في إقامة مستوطنة جديدة في مدينة القدس الشرقية تضم (1600) وحدة سكنية، وقد جاء الإعلان عن ذلك خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي (بايدن) لإسرائيل.
لقد بدأ أصدقاء إسرائيل كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يوجهون النصح لإسرائيل بالتخلي عن توسيع الاستيطان وبالذات في مدينة القدس الشرقية، لأن ذلك سيعرقل عملية السلام، وقد يؤدي إلى العودة للعنف. فهل تستجيب إسرائيل وتوقف الاستيطان وتعود إلى طاولة المفاوضات ومن ثم الوصول إلى سلام مع الفلسطينيين، كما يأمل الرئيس الأمريكي الذي حدد مدة سنتين للوصول إلى حل أم تستمر في سياسة الاستيطان وبالتالي انهيار عملية السلام وعودة العنف؟
إن المؤمل أن يكثف الرئيس أوباما جهوده وضغوطه على إسرائيل لكي تستجيب لنداء السلام.
asunaidi@mcs.gov.sa