أصبحنا بين كل فترة وأخرى نسمع بوقوع حوادث وسلوكيات غريبة داخل بعض المدارس -لم نكن نسمع بمثلها من قبل- منافية للقيم والأخلاق، وتزداد في نهاية كل فصل دراسي، وبصور متعددة ومتكررة، وباتت تشكل خطراً على العملية التعليمية والتربوية، وتهدد الأمن والاستقرار المدرسي، وتؤثر سلباً على نفسيات الطلاب، وعلى سمة التعليم لدينا، فبتنا نسمع بمن تجرّأ من الطلاب واعتدى بالضرب على أحد معلميه أو ألحق الضرر بمركبته، أو أقدم على إتلاف بعض الممتلكات العامة للمدرسة، حتى وصل الأمر إلى اقتحام بعض المدارس من قبل مجموعة من الطلاب بالعصي والسلاح -أحياناً- والأدهى والأعظم من ذلك استخدام الأسلحة النارية وإطلاق النار بكل جرأة، وإن كنّا نحمد الله عز وجل أنه لم يصل الأمر لدينا إلى مستوى الظاهرة -فلا يوجد لدينا إحصائيات دقيقة بهذا الشأن- ولكن كل ما نخشاه أن يتم التهاون في كيفية التعامل مع تلك الحالات والسلوكيات الخاطئة فيستفحل الأمر ويتحول إلى ظاهرة يصعب حينئذ حلها أو الحد منها، فإذا كنا حريصين على إعطاء الطالب حقوقه فمن باب أولى أن يحصل المعلم على حقوقه، كي لا تضيع هيبته، وتسير العملية التعليمية والتربوية بالشكل الصحيح، ونضمن بذلك سلامة المخرجات العلمية والتربوية، فمن أعظم حقوق المعلم احترامه وتقديره، ولن يتم تطوير أو إصلاح للتعليم ما لم يقدَّر المعلم ويكون له شأن عالٍ مرموق في المجتمع، فعلى سبيل المثال من المميزات الهامة التي ساعدت على تطوير التعليم في كوريا الجنوبية حتى انتقلت خلال ستين عاماً من أفقر الدول في قارة آسيا إلى أغنى ثلاثة دول فيها الاهتمام بالمعلم اهتماماً بالغاً، وتقديره، واعتباره وسيلة فاعلة لتطوير المجتمع والنهوض به حتى شاع لديهم مثل شعبي (لا تقف على ظل المعلم).
وكثير من الدول المتقدمة يكنّون للمعلم كل احترام وتقدير، وهذا من أعظم أسباب التطوير للتعليم، فمتى شعر المعلم بمكانته، وعلو قدره زاد عطاؤه وانتماؤه لرسالته، ومن هذا المنطلق يجب وضع حد للسلوكيات العدوانية التي يمارسها بعض الطلاب تجاه معلميهم، وهذا يتطلب التعاون من جميع الجهات المعنية لوضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة، فالمسؤولية لا تقتصر على جهة معينة، بل هي مشتركة ما بين ولي الأمر وعليه دور كبير في تربية أبنائه على التسامح، واحترام الكبير وتقديره، ونبذ العنف، وبضرورة خلق جو داخل أسرته يملؤه الحب والاحترام، وعلى المدرسة متابعة الطلاب، ورصد العدوانيين منهم وتكثيف البرامج الإرشادية لهم، وتفعيل دور النشاط الطلابي، وحل المشكلات فوراً وإخمادها قبل استفحالها، وعلى وزارة التربية والتعليم تهيئة البيئة المدرسية وتجهيزها للمعلم بما يليق بمقامه، والإسراع بمنحه جميع حقوقه دون استثناء.
ويأتي دور الجهات الأمنية بعدم التهاون فيمن اعتدى على معلم أو أضر بمركبته، أو اعتدى على ممتلكات المدرسة، واعتبار ذلك من الجرائم العظيمة والكبرى، وعلى الإعلام بجميع وسائله بث الرسائل التوعوية بمكانة المعلم، وجلالة قدره، وأهمية رسالته، والتركيز على نشر العقوبات التي صدرت بمن أقدم على أمر مشين ضد معلمه كي يرتدع غيره، وأخيراً يأتي دور أئمة المساجد والخطباء، والمؤسسات الأهلية للمساهمة في علاج مثل هذه الحالات، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع كي لا يصاب تعليمنا في مقتل.