عندما يزورنا المطر من موسم إلى آخر بعد أن يغيب مرة ويعود أخرى ليأتي بالفيضانات. يجعلني أعيد وأطيل النظر في الأطالس والخرائط، فنحن بالنسبة لأوروبا آخر اليابسة لأن لا بعدنا في الجزيرة العربية سوى بحر العرب والمحيطين الهندي والأطلسي أي أن الربع الخالي هو آخر اليابسة شرقاً واليمن آخر اليابسة غرباً وتصبح الجزيرة العربية مع صحراء الشام والعراق أشبه باللسان اليابس المزروع بين (كسرين) شواطئ المحيط الهندي وشواطئ المحيط الأطلسي، ورغم هذه الأحواض المائية العظيمة يعيش أجزاء من السعودية واليمن وصحراء العراق والشام العطش وشح الأمطار الذي أسماه أجدادنا عرب الصحراء بالغيث في زمن الممالك العربية القديمة قبل الإسلام وعرب الإسلام فكانوا يرفعون الأيادي يسألون الله العلي القدير أن يغيثهم لأن أراضيهم تصبح عطشى وماءهم غوراً، وتجف آبارهم وتتملح مراعيهم وتصبح سباخاً وتموت الشجيرات القصيرة وأشجار الطلح والسلم والسدر الشوكي وتهاجر الناس من وسط الجزيرة العربية شمالاً باتجاه الهلال الخصيب بلاد الرافدين دجلة والفرات في العراق والشام وغرباً إلى بلاد النيل لأنها -أي مجموعات السكان- لا تقوى أن تفر شرقاً كونها تصطدم بشواطئ الخليج المالحة ولا تستطيع الهروب غرباً إلا من (فرجة) صحراء سيناء قبل أن توصل بقناة السويس لأنها ستصطدم بجرف طويل هو البحر الأحمر ولا تستطيع أن تنفذ جنوباً لأن جبال اليمن ورمال الربع الخالي وشطآن بحر العرب ومياه المحيطين الهندي والأطلسي تمنعها من كسر حاجز المياه المالحة للوصول إلى المياه العذبة أو بلاد مطرية إلى خط الاستواء الذي يمر في (باطن) المحيطين الهندي والأطلسي وجزر الهند وبلدان أفريقيا وأمريكا الجنوبية؛ حيث تنعم تلك البلاد بالأمطار الدائمة وحبات المياه العذبة التي قال عنها العرب الغيث.
عاش العرب في صحراء السعودية واليمن ودول الخليج والعرق والشام رحلة مطاردة للأمطار يلاحقون السحب وضوء البرق وصوت الرعد من يابسة إلى يابسة، ومن علو الجبال واعتراض الحافات، ومن الحمادة إلى الهضاب ومن المنخفضات الخبة إلى (لغف) الرمال والشقائق بين جبال الرمال ومن حزوم عالية نجد إلى تجاويف الجبال في أقاصي جنوب نجد.
هي رحلة (مطاردة) معلنة وصامتة لحبات المطر العذبة هرباً من الملوحة والأراضي المتشققة إلى الغدران والشعاب والشغايا والروافد والأودية.
بهذه الصورة عشت هذا الأسبوع في رحلة مع المحطات التلفزيونية وخرائط الأحوال الجوية أرقب أحزمة السحب التي تأتي محملة من الجنوب الغربي حيث الأطلس، ومن السحب الشرقية من المحيط الهندي وبأمر الله لا تتوقف إلا عند الأراضي (المأمورة) لتبللها وترطب عطشها.
إرادة الله أن تحيط بنا المياه المالحة من المحيطات والبحار وتبقى أراضينا عطشى والربع الخالي أنموذجاً فهو في ركن المحيط الهندي، وبإرادة الله يبقى ربعاً خالياً من الناس ومياه الأمطار.