ضمن برنامج الأستاذ الزائر لكرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود، ألقى البروفسور الأمريكي دوجلاس بويد محاضرة علمية تثقيفية في مقر صحيفة الجزيرة الأسبوع الماضي بحضور عدد من القيادات الصحفية بالجزيرة ومجموعة من طلاب الإعلام بجامعة الملك سعود، وبحضور الأستاذ الدكتور علي بن شويل القرني «أستاذ الإعلام وأستاذ كرسي صحيفة الجزيرة».
وبدأ المحاضر بتقديم كلمة موجزة تحدث فيها عن نشأة وسائل البث الحقيقي للصحافة في دول العالم وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف كانت الصورة (التلغراف) تعلب دوراً مهماً كوسيلة نقل رئيسية كما بين الصورة التي كانت الصحف الأمريكية ترتبط بها مع المجتمعات الصغيرة، وقال: أشعر بالراحة عندما أتحدث عن التليغراف هنا في المملكة العربية السعودية، فقد لعب دوراً مهماً جداً في تاريخ المملكة خلال حكم الملك عبدالعزيز.. وبعضكم يعرف عن ذلك أكثر مما أعرفه أنا.
وبين دور البث الإذاعي في بداياته، وكيف توقّع الكثيرون أن هذا الأمر سيؤدي إلى نهاية كل الصحف وهذا ما لم يحدث، وعندما بدأ البث التليفزيوني توقع الكثيرون أنّ هذا سوف يقضي على الراديو، ولكن هذا الشيء أيضاً لم يحدث.
لقد أصبح لكل وسيلة من تلك الوسائل اهتماماتها لدى العامة، وأصبح لكل شخص اهتمام بجانب من تلك الجوانب الإعلامية.
وقال: بحكم أنني في جلسة شباب فإنني أعي أن لديهم طرقاً مختلفة للحصول على الأخبار، وأحد الاتجاهات الحديثة في تعلم الصحافة أنه عندما يتخرج طلاب الكليات والجامعات في تخصص الإعلام والصحافة لا يسمون أنفسهم صحفيين، سواء في مجالات التليفزيون أو المذياع أو الصحافة، ولكنهم يعتبرون أنفسهم أنهم حاصلون على درجة علمية في الصحافة وأنهم خريجو إحدى الكليات الصحفية، وهناك صحيفة ذائغة الصيت في إنديانا تسمى (إنديانا بلس ستار) وكل صحفي يعمل في هذه الصحيفة يذهب لتغطية قصة خبرية وتكون لديه (مفكرة) و(مسجل) و(كاميرا) وكانوا لسنوات يذهبون بصحبة أجهزة التسجيل الخاصة بهم، بينما صحفي التلفزيون يذهب بالكاميرا معه، وكان الصحفي في الصحيفة يذهب ليغطي حدثاً ما بمفكرته وقلمه فقط، أما الآن فإنّ معظم الصحف لديها على مواقعها وسائل سمعية ومرئية، وبطبيعة الحال يتواصل الناس الآن عبر الشبكة العنكبوتية، وخصوصاً التوتير والفيس بوك، وهذان من وسائل الإعلام المجتمعية.
وأوضح البروفيسور دوجلاس قائلاً: في مدينتي في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الصفحات الإلكترونية لمحطات التلفزيون والصحف متشابهة بشكل كبير، ومع ذلك تطبع الصحف يومياً، وأتلقاها حتى الآن وأنا داخل منزلي، كما أن لدينا خمس محطات تلفزيونية في ولاية كنتاكي الأمريكية فقط، ولكن التغيير الجوهري الذي حدث هو اقتصادي في المقام الأول، لأن التلفزيون يعتمد على الإنترنت في الحصول على المعلومة والأخبار، وبالتالي اضطرت كثير من الصحف أن تعتذر للصحفيين.
وقال: إن مستقبل الصحف متعلق بالتغيير ويعتمد على الثقافة المحلية وعادات استلام أو تلقي الصحف في المنازل، وبحكم عملي الجامعي، فإن الموقف المثالي من وجهة نظري أن المواطن الأمريكي قد يقرأ الصحف اليومية، بينما يستمع إلى الإذاعة وهو في سيارته، كما يشاهد التقارير التليفزيونية في منزله ليلاً، والمؤسف أن أغلب الناس مشغولون سواء في بلدكم أو في بلدي، سواء من الشباب أو الكبار.
وبحكم عملنا كأساتذة جامعيين نحاول أن ندرب الطلبة على قراءة ومتابعة الصحف بشكل يومي، لأن الصحف تحضر لنا أكثر مما تستطيع أن تجلب لنا وسائل الإعلام الأخرى، فالأخبار الإذاعية أو التلفزيونية تخبرنا قصة بقصة عن ما سنتعلمه، لكن الصحيفة تسمح للقارئ بأن يكون محرراً بالصحيفة أكثر منه قارئاً، ولهذا عندما أقرأ الصحف اليومية توجد بعض القصص الخبرية التي أهتم بها، ولكن بحكم أنني مواطن أمريكي أشعر بالالتزام بأن أقرأ بعض القصص الخبرية التي لا تثير اهتمامي، ولكن هذه الصحف تحضر لي الكثير من المعلومات التي تزيد من انتمائي كمواطن، في حين أن الراديو والتليفزيون لا يستطيعان فعل هذا.
إذن مستقبل الصحف تزداد أهميته أكثر بالنسبة لي كمعلم وكبروفيسور في الصحافة.. وهي مهمة لمجتمع أكثر اطلاعاً.
ثم توقف المحاضر وانخرط مع الزملاء والحضور في حوار ونقاش ومداخلات نذكر بعضا منها، وقد بدأها د. علي القرني متسائلاً:
في ظل اختلاف المحتوى بين الصحف الورقية والإلكترونية، هل ينصرف الكلام هنا عن الصحف الورقية إلى الصحف الإلكترونية؟
أجاب د. دوجلاس: إنني أوافقك الرأي، ومن هنا أؤكد أن الصحيفة الورقية تختلف تماماً عن المحتوى الإلكتروني، فمثلاً أنا في كل صباح أطالع صحيفة (الوول ستريت) في منزلي.. ثم آخذها إلى المكتب وأتفرس بعيني كل محتوى الصحيفة، وأطالع كثيراً من التعليقات والمقالات التي لا تثير اهتمامي، ولكني مضطر لمطالعتها لأنه يُوجد بينها ما يثير شغفي واهتمامي، ولأن هذا الأمر يجعلني أكثر اطلاعاً، ولذلك عندما أقرأ الصحف أو أتابع الراديو والتلفزيون يوجه شخص يلزمني بأن أقرأ ما يجب أن أتابعه، ولكن عندما أقرأ صحيفة الجزيرة وهي صحيفة أخرى مثلا، فإن عيني تقع على بعض الأمور التي تكون محور اهتمامي وأكون على علم بها.
مداخلة أخرى من د. علي: هناك دراسة حديثة أشارت إلى أن القراء لا يطالعون إلا نحو 25 في المئة فقط من محتوى الصحف، ويقرؤون نحو نصف هذه النسبة، أي نحو 12 في المئة من المحتوى.
سؤال: وماذا عن مستقبل الصحافة الورقية في ظل هذه الحقائق؟
إجابة د. دوجلاس: دعوني أرجع بشكل بسيط إلى التليغراف أو البرقية، لأقول لكم كيف استطاع أن يحدث تغييراً في المجتمع الصحفي الأمريكي، فقبل التليغراف لم تكن هناك مقالات الرأي في الصحف، لأن التليغراف استطاع أن يأتي بآراء مختلفة، كما جعل الصحف الأمريكية مختلفة تماماً عن تلك الصحف الأوروبية.. وعلى سبيل المثال هناك صحيفة تطبع كل يوم في فرنسا، لديها آراء سياسية، والقليل من الصحف الأمريكية لديها وجهات نظر سياسية محددة، والسبب هو عالم الأعمال، لأن الصحيفة من أجل أن تكون جاذبة لعدد كبير من الناس ولتبيع الكثير من نسخها، فإن عليها أن تقدم تنوعاً كبيراً للآراء، ويجدر بي أن أشكر سائل هذا السؤال، لأنه في أوروبا وفي أمريكا تصارع الصحف من أجل البقاء، فنحن الآن في فترة تحول، وأحد الأمثلة على هذه الفترة صحيفة (وول ستريت) لأنني أقرؤها على كمبيوتري لأنها تختلف عن الصحيفة الورقية، ولكن توجد خاصية في هذه الصحيفة على موقعها الإلكتروني - وقد توجد في صحف لديكم - وهو أن تستطيع من خلالها أن تدلف إلى نسخة للصحيفة الورقية pdf، وأنا هنا لا أستطيع الحديث عما توصلت إليه التقنية بخصوص الصحف العربية، لكن الصحف الأمريكية تبلي بلاء حسناً كي تجعل الصحف الإلكترونية تشبه الصحف الورقية.
سؤال من الزميل جاسر الجاسر - مدير تحرير صحيفة الجزيرة للشؤون الدولية:
ماذا تتوقع عن مستقبل الصحف المطبوعة في المملكة العربية السعودية في ظل هذا التغيير المتسارع؟
د. دوجلاس: إنك محق وأوافقك الرأي، وإنه لأمر عسير أن تتقبل ذلك التغيير مثلما يتقبله شباب اليوم، لأن الكثير منا لا يزال يشعر بأن ما يُكتب هو المعلومة الحقيقية، لذلك يتقبلها المجتمع، وبناءً عليها قد يتخذ قراراً ما تجاوباً مع تلك المعلومة، ولذلك فإن ما تفعلونه وما أفعله أنا هو أمر مختلف عن بقية مؤسسات الأعمال التجارية، سواء في بلدكم أو في بلدي، وأعتقد أن ما نفعله هو أكثر أهمية من صناعة السيارات وأن تضع المياه في الزجاجات وغيرها من المهن، فمهمتنا أن نقوم بمساعدة بلادنا من خلال هذه الرسالة، ومن هنا نستطيع أن نضع أيدينا على أهمية الدور الذي تلعبه الصحف في بلادنا، وأؤكد مرة أخرى أننا لا ندري ما هو مستقبل الصحافة الورقية، لكننا بالتأكيد ندرك أن لها مستقبلاً.
سؤال: على الرغم من ظهور الكثير من الوسائل الحديثة إلا أن الوسائل السابقة لها لا تزال موجودة، فما تفسيركم لهذا الأمر؟
د. دوجلاس: إن الصحف في بلادكم وبلادي سوف تستمر أهميتها، ولكننا لا ندري كيف سيستلمها القراء.
سؤال من الزميل المحرر الصحفي بالشؤون المحلية أحمد القرني:
كيف سيكون تأثير المصداقية على تكوين الصحافة الإلكترونية في ظل السمعة الكبيرة التي تتمتع بها الصحافة الورقية؟
د. دوجلاس: لدينا مثال رائع حدث في أمريكا قبل 25 عاماً؛ فقد كان أي شخص بمقدوره أن يصدر صحيفة، لكن إذا كان لديك شيء يثير اهتمام الناس فإنهم سيتجهون إلى شراء صحيفتك، وصحيفتكم - على سبيل المثال - لديها تنوع في المقالات، مما يجذب الناس لقراءتها، كما توجد أخبار واقعية وسياسية وفكاهية وجدية وكاريكاتيرات، فتلك الأمور تثير شغف الناس رغم أن أهميتها ليست على درجة كبيرة، وتوجد الكثير من الصحف التي لديها تأثير كبير في مجتمعكم، وكذلك في مجتمعي، إذن المهم أن تكون لديك صحيفة ذات مصداقية، فإذا كانت تلك المصداقية موجودة فسيستمر الناس في قراءتها بغض النظر عن كونها ورقية أم إلكترونية.
سؤال من عبد الإله القاسم (مدير مكتب رئيس التحرير):
ما رأيكم في فكرة الدمج بين الصحف والقنوات التليفزيونية وكيف ستقيمون نتائجها إذا ما وجدنا مثالاً لذلك؟
د. دوجلاس: أنا أتحدث الآن من خلال خبرتي في الغرب، لكني أنا وغيري من المواطنين، نعرض أنفسنا على الأخبار ذات الأهمية بالنسبة إلينا، والآن دعوني أقول شيئاً لن يستغرق دقيقة، وهو شيء تعلمونه، وهو أن القصة الخبرية في جريدتكم، أو في صحيفة النيويورك تايمز حول حدث سياسي في الشرق الأوسط، تقدم مقداراً كبيراً من التحليلات المختلفة، وهو يختلف عن ذلك المحتوى المقدم عبر التلفزيون، لأن التغطية التليفزيونية لأحداث الانتخابات في العراق قدمت وجهات نظر مختلفة تماماً عن المقالات المنشورة في الصحف الورقية، وسأروي لكم قصة في عجالة عن دراسة أعدها أحد أصدقائي عن أحداث حرب العراق في عامي 1990 و1991م؛ فقد كانت حرباً تلفزيونية في أمريكا، وجاء في الدراسة التي شملت المئات من الناس وسأخبركم بالنتيجة الأخيرة لهذا الاستطلاع أو الاستفتاء، فقد علم أولئك ما هي ال(إف 16) ولكنهم لا يعلمون من هم الفلسطينيون أو العراقيون أو غيرهم، وهذا هو السبب، فالذين يتابعون الأخبار عبر التلفزيون لا يحصلون على التحليلات الواقعية، وأعتذر لذكري بعض الأمثلة الغربية.
سؤال محمد مصطفى (وحدة الإعلام الجديد):
هل تتوقعون أن تختفي الصحافة الورقية في الشرق الأوسط في المدى القريب أو البعيد، على الرغم من اختلاف العادات اليومية للمجتمعات العربية عنها في المجتمعات الغربية ومع صعوبة انتشار الإنترنت في العالم العربي بأسعار زهيدة مقارنة بالمجتمعات الغربية؟
د. دوجلاس: هذا سؤال جيد، وخدمة الإنترنت تتحسن في العالم العربي، لأن التقنيات تتقدم بطبيعة الحال، وكثير من الناس يميلون إلى العلم من خلال خبرتهم الشخصية، وتعتبر المملكة العربية السعودية دولة متقدمة الآن، لأن معدلات توزيع الصحف الورقية يحدث بصورة يومية هنا في السعودية، ولكن خبرة توزيع الصحف تختلف في بعض أنحاء العالم العربي، بخلاف المملكة العربية السعودية، وأنتم أدرى مني بخبرتكم في التوزيع، وفي بعض أنحاء السودان أو اليمن أو غزة أو الضفة الغربية فإن السبيل الوحيد للحصول على الأخبار هو الراديو، إذن الأمر يتوقف على المكان الذي تعيش فيه.
إن صناعة الصحافة في السعودية مزدهرة، لأن دولتكم حديثة، كما أن لديكم قاعدة في التعليم تتنامى يوماً بعد يوم، كما أن هناك سعوديين كثيرين سافروا إلى الخارج، إذن الصحافة السعودية؛ سواء الورقية أو الإلكترونية، مستقبلها واعد وزاهر.
سؤال: توقع البعض قبل سنوات تهاوي الصحافة الورقية في ظل تنامي الإقبال على الصحافة الإلكترونية، ولكن ما حدث بعد ذلك كان مختلفاً تماماً، فقد تنامت هذه الصحف في الكثير من الدول العربية وأخذت موقعها بصورة كبيرة، وعندما نقرأ ما حدث في السنوات الـ10 الأخيرة نجد أن الصحافة الورقية ما زالت متربعة على عرش الإعلام، لذلك نتمنى من الباحثين والأكاديميين أن يستعينوا بخبراء في قطاع الاتصالات أثناء إعداد الدراسات الاستشرافية المستقبلية، لأن الإعلام والاتصالات سيكونان وجهين لعملة واحدة.
د. دوجلاس: هذا سؤال جيد، وأؤيد ما ذكرته، ولأنه لا أحد منا يعلم ما سيجري في المستقبل، وأنا هناك أتحدث بصفتي بروفيسوراً في الجامعة، وما يجب أن نفعله لتعليم الطلاب من العوام أن نضرب لهم الأمثلة الجيدة والكتابة الجيدة والتحليل الجيد والتقديم الجيد لأخبارهم، فالفكر الثاقب والتحليل الجيد في الصحافة الورقية أو الإلكترونية أمران مهمان من أجل ازدهار مستقبل الصحافة في بلدكم، وكذلك الحال في بلدي.
مداخلة من نائب رئيس التحرير عبدالعزيز المنصور:
نريد التطرق إلى نقطة غرفة الأخبار التي أظن أنك لم تتطرق إليها؟
د. دوجلاس: في جامعة واشنطن دي سي يبنون الآن غرفة أخبار جديدة، وهي تقريباً في حجم قاعة الاجتماعات هذه، ويتوفر فيها استديو تليفزيوني واستديو إذاعي وغرفة أخبار صحفية، ولا توجد أية حوائط، فالمحطات الإذاعية والتلفزيونية والغرفة الإخبارية يقوم بتشغيلها الطلاب على الرغم من أنها وسيلة واحدة فقط، وطبعاً أنا أتحدث الآن عن أمريكا وليس السعودية، وما نستطيع أن نفعله الآن هو أننا نصقل من التدريبات لطلابنا لكي يكونوا صحافيين لاحقاً، بغض النظر عن المكان الذي سيعملون به، وحتى لو كان بعيداً، ففي المملكة المتحدة، النقابات التي أنتجت الصحف كانت قوية، لذلك استطاع الناس هناك أن يقرؤوا الأخبار بطريقة إلكترونية، بدلاً من أن يضعوا المحتوى النصي عليه، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتحملوا العيش بهذه الطريقة.
إذن التقنية الحديثة في مستقبل غرف الأخبار تعتمد على الابتكارات التقنية وعزم المنظمات الإخبارية في جعل غرف الأخبار أكثر ابتكاراً بأن تجعلها في صفها وذات قيمة مضاعفة، حتى تكون الصحيفة أكثر إمتاعاً بقدر الإمكان، وتعليقي أنه لا يوجد شخص بينكم كان يستطيع أن يتوقع أنه سيكون في العالم العربي منذ 15 عاماً 500 قناة فضائية.
إذن، إحدى النقاط المهمة التي تخص الصحفيين هي التهيأة والتكيف مع الوضع، وأتوقع أنكم ستفعلون ذلك، وبسبب ذلك سوف تزداد صحفكم رخاءً وازدهاراً.