هناك فرق بين سوء الإدارة والغباء الإداري.. سوء الإدارة يفضي إلى الفوضى في الإدارة، أما الغباء الإداري فيحدث رغم كون الإدارة منظمة والعمل الإداري يسير وفق نهج واضح.. على أن كليهما يُؤديان بالضرورة إلى التأثير على ربحية المنشأة.. وللغباء الإداري دور أكثر سلبية في ذلك.. وقد استمزجت تسمية الغباء الإداري بحكم خلفيتي العلمية الاقتصادية واستوحيتها من تجربة شخصية مررت بها خلال زيارة قصيرة قمت بها مؤخراً لمحافظة جدة.
توجهت إلى أحد الفنادق فئة الخمسة نجوم لأقضي ليلتي، وكان الوقت بعد منتصف الليل بقليل.. وبعد مناقشة موظف الاستقبال، غير السعودي، وللأسف، تمكَّنت من الحصول على سعر، قيل لي إنه سعر خاص ومخفَّض، وهو 800 ريال سعودي، بالإضافة إلى 15% خدمة.. وآثرت البحث عن سعر أفضل فتوجهت إلى فندق مماثل، وحصلت على سعر 600 ريال سعودي، بالإضافة إلى 15% خدمة.. وباتصال هاتفي أجريته مع صديق لي للتوسط للحصول على سعر أفضل في الفندق الأول، حصلت على سعر 450 ريالاً سعودياً، بالإضافة إلى 15% خدمة.. هكذا.. بمجرّد مكالمة هاتفية عدت إلى الفندق الأول واستفدت من التخفيض الخاص، وعرفت أن هذا الفندق تديره إدارة غبية فعلاً، إذ كان بإمكانهم أن يكسبوني مباشرة كنزيل في تلك الليلة والساعات القليلة التي سأقضيها نائماً في الغرفة، لأنني لو لم أتصل بصديقي، مع الاعتذار لبرنامج من سيربح المليون، لتوجهت للبديل الثاني الذي كان يبدو أفضل الموجود.
الذي أعرفه أن الإدارة التنفيذية الذكية يمكنها التَّصرف بالسعر واستقبال النزيل إذا ما جاء بعد منتصف الليل وسيغادر قبل الظهر بتقديم سعر مخفض له.. هذا الأمر يدرَّس في منهج مبادئ الاقتصاد لطلاب السنة الأولى، وهو من أبجديات علم الاقتصاد، ويرتبط بما يعرف بتكلفة الفرصة البديلة، أي أن الحصول على مبلغ (معقول) خير من إبقاء الغرفة شاغرة، وذلك وفق قواعد وأسس معروفة محاسبياً وتشغيلياً واقتصادياً، فبقاؤها شاغرة هو الغباء الإداري بكل وضوح.
وفي حال الفنادق الكبرى في بلادنا، فإن هذا الغباء الإداري في إدارة هذه الفنادق يسهم إلى حد كبير في عزوف كثير من الناس عن السياحة الداخلية.
وهذا الغباء الإداري قد ينقلب إلى استغلال، لأن من لا يدرك مصلحة نفسه، لا يضره أن يضر بمصالح الآخرين.. وأعتقد أن هذا الضرر يتجاوز ما يمكن أن يصيب السياحة الداخلية، إلى الاستغلال المباشر لمستخدمي الفنادق، ومصدر تخوفي هو ما قرأته مؤخراً في جريدة «الوطن» الغراء العدد (3480 - السبت 25 ربيع الآخر 1431هـ) من أن التصنيف الجديد للفنادق في المملكة العربية السعودية قد أظهر أن عدد الفنادق فئة الخمسة نجوم في محافظة جدة هو 7 فنادق فقط، وأنه لا يوجد أي فندق في عروس البحر الأحمر (؟) ضمن فئة الأربعة نجوم.
وأوردت الجريدة أسماء الفنادق فئة الخمسة نجوم، ولم أجد منها أسماء بعض الفنادق «ذات الماركات العالمية الشهيرة» والتي يعتقد «الناس» أنها من ذات الفئة، ولكنها غير ذلك وفقاً للتصنيف الجديد للفنادق المعتمد من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار.. ومن الطبيعي، في تصوري، أن فئة الفندق وفقاً لهذا التصنيف، ستحدد، بالضرورة، أسعار الإقامة فيه.. وهنا يأتي تخوفي من أن الغباء الإداري سيتحول إلى استغلال، فتستمر هذه الفنادق التي لم تتمكن من أن تحظى على تصنيف الخمسة نجوم، تستمر في التعامل مع النزلاء بأسعار فئة الخمسة نجوم، وهي غير مصنفة ضمن تلك الفئة، لأنها، كما يبدو، لم تتمكن من استيفاء كافة الاشتراطات التي تؤهلها لهذا التصنيف.. ومع غياب الوازع الذاتي وضعف الرقابة وتساهل الناس، ستكون هناك تجاوزات، أي سيكون هناك استغلال واضح وغير نظامي وغير مبرر.. الاستغلال يكون في مجتمع لا يُحاسب المخطئ.
رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) - رئيس تحرير مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض