في بدء تعرفه على عالم «الفيسبوك - الذي يضم أكثر من ثلاث مئة وخمسين مليون شخص على مستوى العالم، ويشترك فيه كل يوم أكثر من مئة وخمسين ألف شخص جديد - قال له صديقه: احذر؛ فأنت فيه تحت الشمس، وفهم المغزى؛ فلم يقبل أن يضيف لأصدقائه إلاّ من طرح اسمه ورسمه جهاراً نهاراً، أو كان صديقاً مشتركاً لمن يعرفه، ورغم مضي وقت غير قليل فما زاد أصحابه على أربع مئة، ولو قام بمراجعتهم لتقلّص العدد إلى نصفه.
- ليست التجربة ذات شأن كي تسجل، غير أنّ مبدأ «الخصوصية الشخصية» يتوارى ؛ مثلما تضمحل حكاية « الخصوصية - الهوية» التي أصمتنا زمناً ثم تراجعت مقابل العولمة الإنسانية؛ فالحدود الافتعالية سياج هش لا يمنع التفاعل مع الآخر والانفعال بقضاياه وصولاً للفعل المؤدي إلى التقرير الإلهي: (لكم دينكم ولي دين).
- في كتاب الوجوه - كما يحلو لبعضنا ترجمته - كل الألسنة والسحنات، والانتماءات والقوميات، والملل والنحل، وهو ما يعني أنّ الناس يكتشفون الناس، وفئة الشباب لا تؤمن بالحدود والسدود التي يضعها صاحبكم وأمثاله؛ فلا داعي للتجسُّس والتحسُّس، والمشاركون - في مثل هذا الموقع الذي لم يكمل عمره ستة أعوام وينطق بأربع وسبعين لغة - مكشوفون منكشفون.
** لدينا إدارة لم تع المتغيرات وما تزال تظن أنّ ثم مكاناً للسرِّي والخاص، وسلطويون يفكرون بتربية الأمر و النهي، والقمع والمنع، والجزم والنصب، ومن يتوهّم المقدمات تخطئْه النتائج.
- فصل أسلافنا بين الشخصية العامة وسلوكها؛ فما كان الخلفاء والوزراء والكتّاب والأئمة والشعراء سوى بشر لهم أخطاؤهم، ولبعضهم خطاياهم، وفي كتب السِّير قصص عن أسماء كبيرة في العهود الفاضلة حادت فارتكبت آثاما أو اتهمت بها ولم يبخس ذلك عدليتها، و لم تتسع المسافة بين الذنب والمغفرة؛ فلعلّه التقادم يمحو، وليته التسامح يسمو.
- لم يعد شيء خافياً، ولم يبق مكان لاختباء، وأولى بمن يتسقط عورات الناس (مؤسسة أو فرداً أو وسائط إلكترونية) أن يلتفت لقيمة التنشئة المتوازنة ؛ فيركز على الطفل ؛ وعيا قَبْليا، وقدوة بَعْدية، وتوجيهاً لحياة في بيئة طبيعية خلقها الله خليطاً من ذكر وأنثى، وشعوب وقبائل كي تشرق ذاته بالسِّمات التي لا تحتاج إلى رقيب ورقابات.
- إعلاء الهفوات الشخصية تركيم للأحجار؛ فالكل يرمي والكل يستقبل، والمدى الذي تبلغه المشكلة غير قابل للتنبؤ، وفي حادثة فردية قريبة تحوّل احتكاك مسؤول بموظف إلى تنابز عصبي بغيض رغم أنّ الإجراءات الإدارية كفيلة بحل المشكلة، لكن أسماء مرموزة مجهولة في الفضاء استطاعت تحريك الرواكد المهجورة.
- تتساقط الأقنعة عن الوجوه، وفي هذا خير، وحين يعوزنا «التنظيم الإداري» لجهاز لا تتقاطع مهامه مع الأجهزة الأخرى فإننا نخلق كتاب وجوه عملياً يرى الحجم والشكل، والطول والعرض، والتميُّز والتحيُّز ؛ فنشترك في إعلاء الاحتساب، ولا نتلصّص من ثقب الباب؛ ف: «كل أمتي معافى إلاّ المجاهرين».
- كلُّنا عارٍ إلاّ من كساه الله.
Ibrturkia@gmail.com