لا أعتقد بأنّ كل تلك السنين (النافقة) من عمر دروب الأمس بحاجة إلى ترميم أو إعادة (تدوير) لتكون سبباً فيما سيكون من الأيام، فزمانها انقضى بانتهاء صلاحيتها الافتراضية.
هل يستطيع كلٌّ منَّا أن يقيّم أداءه (أفعاله، أقواله) أشك في ذلك ؛ فحُبّ (الأنا) قد سيطر على جميع حواسنا فلم نَعُد قادرين على الإحساس بشيء سوى الإصغاء لصوت ذلك الصدى الرخيم، الذي يردِّد في كلِّ حين فصولاً متنوّعة من سوانح ذكرانا الغالية.
ما فتئ ذلك السؤال العابر يخالج نفسي كلّما جمعتنا الأحزان وعصفت بنا الأقدار، هل هناك معايير لما يمكن قوله في مجالس (الحزن) ؛ بالتأكيد لا ولكن ما يجب مراعاته لا نطقه هو أسمى وأعلى، فحسّنا (القِيَمِي) لا يطلب سوى الالتزام ب(الذوقية) والبُعد عن النرجسية التي لا يمكن أن تخدم سوى ذلك الكيان الشخصي الأوحد الذي لا يرى إلاّ نفسه في كل شيء.
كنَّا في ذلك المجلس الرثائي وكان الكاتب (العظيم) حاضراً جامعاً حزمه وعزمه في ذلك اليوم ليستعرض - و على مدى أربعة أيام - تلك المقالات (اليائسة) التي آثر إشاعتها صوتياً بحسِّه النشاز لعلّه يسهم في حملة الترويج له ولها، فهو على قناعة بأنها لا يمكن أن تضيف جديداً في عالم الكتابة الصحفية سوى نزيف الحبر في تلك الصحيفة التي كادت أن تكون نسياً منسيّاً داخل زوبعة الورق لولا استرجاع أخينا لما يكتبه على صفحاتها الصفراء في كلِّ مجلس (رثائي) ؛ فقد حوَّر وبكلِّ اقتدار المسار والحدث إلى نفسه وقلمه الذي أعيته هموم مجتمعه ووطنه ونفسه !، فما إن يدخل الضيف لتقديم العزاء ويستقر في مكانه بالمجلس حتى يبدأ صاحبنا (المت قاعد) باجترار تلك القضايا المجتمعية (البائسة) من طلاق وزواج وعنوسة وطيش ... وغيرها من المتعلّقات (التقادمية) التي بدأ الناس يتعاملون معها بأسلوب ومنحنى آخر يتماشى مع عصر العولمة الفضِّية، وصاحبنا لا يزال (يلت ويعجن) في حلول ماضية قد عفا عليها الدهر!، وما إن ينتهي من طرح السابق حتى يبدأ في التفكير (علناً) فيما سيكتبه، والحضور - أعانهم الله - ليس لهم سوى الاحتساب وترديد الرحمة على روح الفقيدة - رحمها الله - همساً لئلا ينقطع حبل أفكار صاحبنا الذي أعيته القراءة في صفحاته التراجيدية المهترئة.
ليس عيباً أن يتعلّم أيٌ مِنَّا مهما توارى به الزمن وتقادم به العهد تلك الذوقيات التي يجب مراعاتها في المجالس والأماكن العامة لئلا يوقع نفسه وحسّه في موقف أو مواقف لا يحسد عليها؟!.
Alfaisal411@hotmail.com