لعلها المرة الأولى - على الأقل منذ أن احترفت الكتابة - التي أكتب فيها واضعاً نصب عيني احتمال ألا يبصر ما سأكتبه النور بنسبة تفوق حدوث العكس بأضعاف كثيرة.
والسبب أن فكرة الموضوع تتمحور حول نقد الذات، أو نقد المجال الذي أنتمي له مهنياً.. خصوصاً وأننا نحن العرب لا نقبل بمثل هذا التوجه، ونظل نصرّ ونكابر على أن (كل شيء تمام التمام)، وأنه لا عيوب عندنا تُذكر (؟!).
المهم، ومن الآخر على رأي الأشقاء المصراوية.. من فينا لم يكن على علم بما حدث في ملعب (زعبيل) الذي أضحى أشهر من نار على علم، بمن فينا الكثير ممن لا علاقة لهم بكرة القدم من قريب أو بعيد، لا ممارسة ولا تشجيعاً.
ورغم أن الحادثة لم تكن هي الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة سواء في ملاعبنا أو في أي مكان من العالم.
وبالتالي ما كان لها أن تأخذ ما أخذته من أبعاد خرجت بالأمور عن سياقاتها وأطرها وأوصلتها إلى منزلقات أخرى من خلال توظيف القيم الوطنية واستحضار الرموز المؤسسة للبلدان، فضلاً عن استنهاض النعرات، واستصراخ معاني النخوة والشرف والكرامة، إلى ما هنالك من أدبيات ليس هذا زمانها ولا مكانها (؟!!).
أقول لم يكن لهذه الإشكالية المألوفة أن تأخذ ذلك المدى البعيد شكلاً وموضوعاً لو لم يدس الإعلام أنفه فيها ويحولها إلى داحس والغبراء الجديدة (!!!).
إذ شاهدنا التسابق المحموم سواء على مستوى القنوات أو على مستوى البرامج، أو على مستوى الصحافة، إلى درجة التنافس على من يكون صاحب الحظ الأوفر في (شعللة) المشكلة وتوسيع دائرة الحريق، وكأن ثمة جائزة كبرى تنتظر صاحب ذلك الشرف (؟!!).
وللأمانة.. لم أتفاجأ بما حدث سواء في الملعب أو ما تلا ذلك من تصعيد وتراشقات ومن لت وعجن وجدالات إعلامية وجماهيرية كانت في كثير منها أشد قبحاً مما حدث على هامش مباراة العصر (؟!!).
وكنت - للأمانة - أنتظر نتاج ما ظل يزرعه بعض الإعلام المفلس من شحن متعمد للجماهير على مدى سنوات، إلى درجة أنني بت أنتظر انفجار تلك الشحنات في أية لحظة.
الأعجب من هذا كله أن بيننا من نصّبوا أنفسهم وعاظاً وحكماء على خلفية المهزلة التي حدثت بين الأشقاء في كل من مصر والجزائر، والتي هي في الأساس مهزلة إعلامية بحتة كادت أن تسفر عن كارثة.. هؤلاء قرأنا لهم وشاهدناهم يمارسون ذات الأدوار البايرة على خلفية ما حدث في ملعب زعبيل (!!).
الشحن الجماهيري الذي تحدثت عنه آنفاً، لم يقتصر تأثيره على مستوى التعاطي والنظرة الجماهيرية للتنافسات وتحويلها إلى مشاحنات وكراهيات وفقدان روح التسامح.. بل تجاوزها إلى حد إغراق هواتف أصحاب الآراء المحايدة من الأشقاء الخليجيين برسائل السباب والشتائم والتهديد والوعيد بالتصفية الجسدية، ومن أجل ماذا (؟!!).
وعندما أشير إلى الإعلام كطرف أساسي في تأجيج ما حدث بين مصر والجزائر، وما يحدث الآن بين أبناء الخليج (أبناء العمومة) والدم الواحد والمصير الواحد.. فأنا أعني ما أقول.
ذلك أن الإعلام بما أضحى يمتلكه من سطوة وسلطة.. أصبح بمقدوره تشكيل جيل من المشجعين والإداريين الأكثر تطرفاً.. كما أن باستطاعته أن يفعل النقيض تماماً ويحققه، ويبقى الفيصل بين الحالتين هو: إما أخلاق أو لا أخلاق، ومسؤولية أو لا مسؤولية.
أما إشعال الفتن وتأجيجها بين الأشقاء وبين الأندية وبين الجماهير بذريعة ممارسة المهنية.. فذاك هو الامتهان لا المهنية.
مواطنون سعوديون أبرياء.. تعرضوا لاعتداءات وسلب ونهب وإهانات في كثير من البلدان والعواصم الخليجية والعربية.
نجوم سعوديون كبار جداً.. طالتهم الإساءات والإهانات من مدرجات الأشقاء في الخليج.
أندية سعودية، سلبت حقوقها وتعرضت للظلم عياناً بياناً سواء خليجياً أو آسيوياً أو حتى عربياً.
كل هؤلاء لم يلتفت لهم الإعلام (المشعلل)، ولم ينتصر لهم ولو بجزء يسير من الوقت والجهد الذي صرفه ويصرفه في قضية حسام غالي وإيلي عواد (!!!).
أحد المنظرين عبر الشاشة يحرّم حق جمهور أحد طرفي اللقاء في التجاوب أو التفاعل مع الاستفزازات بأي شكل من الأشكال، وبعد دقائق معدودات من فتواه تلك.. يمنح جمهور الطرف الآخر حق التهديد والوعيد بدعوى عدم وجوب استفزاز الجماهير (!!!).
على أن ما تقدم لا يعني أنني أرفض المطالبة بالحقوق، ولكنني أرفض بعض الأساليب غير اللائقة في المطالبة.
عقول لا تساوي أثمان العُقل؟!
أقسم لو أن قناة فضائية خليجية ما، من السعودية أو الكويت أو عمان أو قطر أو البحرين.. فكرت في تخصيص برنامج أسبوعي يعنى بالإساءة إلى الوسط الرياضي الإماراتي ونشر غسيله أسبوعياً، ومهاجمة قياداته ورموزه، والعمل على زرع الفتن بين أنديته وجماهيره.. مع التركيز بعناية فائقة على أكبر وأشهر الأندية هناك، وجعله مثالاً ومادة أساسية لكل ما هو سلبي، كذباً وزوراً وبهتاناً.
وفي سبيل ذلك بحثت عن أربعة (خامسهم) القائم بأعمال الاتصالات والترتيبات المشبوهة.. ومن ثم عرض المرتبات الشهرية المغرية، علاوة على تأمين السكن الفاخر (والذي منّه).. إضافة إلى توفير التذاكر المجانية ذهاباً وإياباً.
فإنها لن تجد بطول الإمارات وعرضها من الإماراتيين من يقبل القيام بمثل هذه الأدوار حتى على مستوى المنحرفين (؟!).
وصدق من قال: كم من عقال أثمن من عقل راعيه.
بيت القصيد:
(أرى حللاً تصان على رجال
وأخلاق تُهان ولا تصان)