|
(كم منزل في الأرض يألفه الفتى |
وحنينه أبدا لأول منزل) |
|
هل يمكن أن تنسى مكانا عشت تفاصيل يومياته ستة عشر عاما متواصلة!
|
وكيف يمكن أن تمسح من ذاكرتك قسما حميميا كبيرا!
|
يصعب الأمر لاسيما أن كانت هذه الذكريات هي التجربة الأولى فارتباطنا العاطفي بالأماكن في رأيي هو جزء من تركيبة الشخصية خاصة ما نُقش منها في أول العمر.
|
ومن الملاحظ أن الذين يألفون الأماكن يصعب عليهم تغييرها لكنهم في ذات الوقت أقدر على تغييرها رغم الألم لأن العاطفة تلعب الدور الأكبر في قراراتهم...
|
هذه باختصار قصتي مع الجزيرة بيتي الأول
|
يوم استقبلت قلمي كنت أقرب ما أكون إلى مراهقة في التاسعة عشر من عمرها تدرس السنة الأولى في الجامعة الجزيرة كانت هي مدرستي الابتدائية تعلمت فيها أبجديات لغة الكتابة ثم تدرجت لأتعلم بعد وقت طويل فيها أبجديات الصحافة.
|
الجزيرة هي التي شهدت تعثري قبل تفوقي على نفسي، هي التي كانت تقسو لأتعلم وأخضع لها دون إحساس بأني قد شببت عن الطوق.
|
ارتبطت بكل ما فيها من شخوص أو رموز ولم أعرف في عالم الصحافة آنذاك سواها.
|
لكن لأننا بشر ولسنا قالبا جامدا فنحن نتغير، نكبر، ننضج، تتغير نظرتنا إلى الأشياء ومفاهيمنا وربما تتغير حتى عواطفنا، لا توجد علاقة طويلة ثابتة على حالها في مستوى عاطفي ثابت.
|
الجزيرة كذلك لم تكن مستقرة في عهود سابقة مضت قبل أن يأتيها حبيبها الأول (خالد المالك) بل كانت تمر بها أزمات التغيير وتطالها حالات من الصعود والهبوط حسب معطيات تلك الفترات.
|
هل هذه مقدمة لا بد منها لأقول إني لم أنس الجزيرة، بل هي مقدمة لأقول إن الجزيرة دائما بقلبي وهذا لا يعني أن قلبي لم يعرف سواها، لأنني حين آلف المكان الذي أنا فيه أعطيه حقه مثلما يعطيني ما دام ارتضيت أن أسكنه ويسكنني.
|
ربما كانت علاقة الكاتب بمطبوعته تختلف قليلا عن علاقة أي موظف بشركته أو مؤسسته لأن شخصية الكاتب المهنية تختلف
|
في مكوناتها فهي مغلفة بشيء كبير من العاطفة.
|
والكاتب في علاقته بالصحيفة كالطفل.. تبرز مظاهر تلك الطفولة في لحظات عتابه أو غضبه وإن لم يكن مبررا إذ يكفي أن تتلبس به فكرة أنه يكتب لأجل الالتزام والمكافأة الشهرية أو يكتب دون أن يشعر بالمتعة.. وربما كانت هذه أهم مسببات انتقال الكتاب والشعراء من مطبوعة إلى أخرى.
|
فالكتابة ليس عملا تقليديا أو روتينا، وبرأيي متى شعر الكاتب أنه موظفا لدى السيدة الكتابة فعليه أن يفكر مليا في أسباب هذا الشعور لأنه بمرور الوقت سينتقل الملل إلى القراء فيفقدون الاتصال العاطفي به عليه حينها أن يترك الكتابة لفترة ويفكر هل يغير من كتاباته أو يغير مطبوعته لأن الإحساس في مهنة الكتابة هو سيد الأدلة.
|
والقارئ في مهنة الكاتب هو سيد الإحكام وهو مقياس معيار الكاتب في كل مكان، لأنه المرآة الحقيقية لقلم الكاتب ولذلك فإن مستقبل الكاتب دوما هو في أعين الذين يقرؤونه بقلوبهم قبل عيونهم.
|
|