يبدو لي أن الأمريكان رغم ما يتصفون به من التفوق العقلي والإبداع التقني والإنجاز العلمي على كافة الميادين، يبدو لي أنهم إلى الآن يجهلون بشكل مطلق بل وذريع كيفية التعامل مع الشعوب الصديقة والعدوة على حد سواء، وأنهم يختلفون كلياً عن حلفائهم الإنجليز في طريقة التعامل مع الشعوب المستعمرة وأنهم يعالجون الخطأ بالخطأ بل وبأكبر منه. فالأمريكان برروا شن الحرب على العراق بأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة للدمار الشامل مما يهدد أمن المنطقة والعالم، وأنهم جاؤوا لتخليص العالم منه ولكن مجريات الأمور كشفت كذبهم وأن الرجل لا يملك حتى أسلحة للدفاع عن نفسه، بدليل أنه لم يستخدم حتى مسدسه الشخصي حينما ألقوا القبض عليه. والأمريكان حينما وقعت الواقعة واحتلوا العراق ليبشروا العالم بديمقراطية فذة تكون بديلة عن حكم الفرد وديكتاتوريته المطلقة، هاهم إلى الآن يراوحون في مستنقع من الدم والقتل والخراب والتورط الكبير، الذي بات صعباً الفكاك منه وإلى هذه اللحظة (!!) والأمريكان إلى هذه اللحظة أيضاً لم يفهموا التعامل مع الشعب العراقي بل ومحيطه العربي إلى هذه اللحظة أيضاً وأيضاً. ولم يفهموا حتى عادات وتقاليد هذا الشعب والدليل على ذلك أنهم كثيراً ما أطلقوا النار على مواكب الأعراس لمجرد أن المحتفلين كعادتهم يطلقون الرصاص ابتهاجاً بهذه المناسبة.
والأمريكان وافقوا على إعدام صدام حسين في يوم عيد الأضحى المبارك دون أية مراعاة لمشاعر أصدقائهم من العرب والمسلمين في كافة بقاع الأرض. والأمريكان لم يحترموا الشخصيات الاعتبارية في العراق ولا كذلك مشايخ الدين ولا شيوخ القبائل أيضاً، بدليل أنهم يوماً ما زجوا بالشيخ متعب الهذال بالسجن وكأنهم لا يعرفون ماذا يمثل هذا الشيخ الجليل بالنسبة إلى قبيلته الكبرى التي تتوزع بين دول المنطقة.والأمريكان الذين لم يتورعوا عن تفتيش النساء العراقيات غير آبهين بماذا يعني ذلك عند العرب، هاهم اليوم يصدرون من خلال أتباعهم في الحكومة العراقية أمراً للإنتربول بالقبض على (رغد) ابنة صدام حسين بتهمة دعم الإرهاب، وكأن المطلوب منها أن تقدم لهم الزهور والحلوى لقاء ما فعلوه بوالدها بغض النظر عن مسببات إعدامه وفي عيد الأضحى بالذات، مما جعل حتى أعداءه يتعاطفون معه ميتاً حتى ولو كرهوه حياً. ومن هنا فإن مطاردة امرأة عربية بغض النظر أيضاً عن مسببات المطاردة، إذ كان بالإمكان إبلاغها الكف عن ممارسة التهمة المنسوبة إليها أو اعتقالها سراً.