في يوم الثلاثاء 14-4-1431هـ وقبل صلاة الظهر بقليل وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره رحل والدنا الشيخ إبراهيم بن عبدالرحمن الرميحي بعد رحلة شاقة في هذه الحياة تكبد خلالها كثيرا من الآلام بدءاً من بعده عن والده ووالدته حين كان في صباه حيث طلب الرزق حاله كحال كثير من الناس في ذلك الوقت وإن كان قد تحمل المسؤولية وهو ما زال صغيرا في السن إلى أن توفي ولكن قدر الله هو من وضعه في هذا الأمر الذي كان فيه نعم الولد البار لوالديه، فقد حرم من الحنان والعطف كيف لا يحرم ذلك وهو يبتعد عن والديه ولا يراهما إلا بعد طول غياب فقد كانوا في القصيم وهو في الرياض أبتاه أبكي وأبكي ثم أبكي إذا عرفت أنك ابتعدت عن حنان أبويك وأنا أعلم أنك عطوف وحنون كثيرًا ما رأيت دموعك حينما ترأف بحال أبنائك إذا أصابهم أي شيء يكدر صفوهم أو رأيت أحد أقاربك أو أصدقاءك في حالة مرضهم أبي وآه ثم آه ثم آه وآه يا كلمة أبي الآن عرفت معاني هذه الثلاثة أحرف أذكر حين تم تعييني معلما في مدينة (الخفجي) عام 1419وهي بعيدة عن مقر سكني مع والدي رحمه الله في مدينة الرياض وكان حينها مسروراً بذلك وهو يري ثمار تربيته بأن أصبحت معلماً ولكن سرعان ما تحول سروره إلى دموع بللت لحيته المليحة رحمة الله عليه حينما حان وقت سلامي عليه لأقول له وداعاً يا أغلى وأعطف أب نعم إنها رقة أحاسيسه هي التي جعلت قلبه يحن ودموعه تسابق كلماته القليلة ولكنها أعظم كلمات (بحفظ الله يا أبوسعود) ولم يزد كلمة واحدة لأن صوته غاب بحضور دموع الحب أبي أبوي يبه لن ننسى حرصك على تربيتنا التربية الدينية الصالحة حينما كنت تتألم أول الليل من آلام كانت تعاودك كل فترة وتشتكي لربك وحينما نسألك تجيبنا ببساطة وتقول (سبدي) يعني بطني وفي آخر الليل وقبيل الفجر وأنا وإخوتي- حفظهم الله- في نوم عميق يأتي لنا بيديه المبلولتين من أثر الوضوء ليوقظنا لصلاة الفجر ويلح في ذلك جعل الله الفردوس منزلتك يا أبي..
كنت في بداية قيادتي للسيارة حينما نكون في مدينة بريدة لزيارة أقاربنا هناك يطلب مني أن نذهب لزيارة إخوانه وأخواته فرداً فردا ولا غرابة في ذلك، ولكن يشدني كثيراً حينما يقف على قبر والده ويجهش بالبكاء تحت حرارة الشمس وكان يتعهد هذا الأمر في كل زيارة للقصيم أسأل ربي أن يظلك بظله يا رب العالمين..كان محبوبا من أقاربه وجيرانه ولا يسمح لأحد أن يغتاب في مجلسه شهد له الجميع بالخير والصلاح منذ كان شابا بكى على فراقه الصغير والكبير البعيد قبل القريب حتى أن أحدا من رافقه قديما حضر ليعزينا بمصابنا ولم يستطع الدخول للمنزل من شدة البكاء وإنا على فراقك يا أبي لمحزونون..
قبل حوالي ست سنوات أصابه مرض جعله طريح الفراش في كل ليلة يتجرع الآلام لا يستطيع الحراك إلا بمساعدة أحد وكانت والدتي هي من توفر له كل ما يحتاج بنفس طيبة وخلق كريم حتى إنها تسقيه وتطعمه بيدها الكريمة أطال الله عمرها ومهما قلت عنها فلن أوفيها حقها وكان الإخوة قريبين منه بفضل الله ثم بما قدمه لوالديه من قبل فأبوحسام كان هو صاحب الرأي السديد لكل ما يريح والدي وكان يحمل همه كل حين وأبوأسامة كان هو المسؤول عن مواعيده المتكررة في المستشفى ولا يسمح لأحد أن ينوبه في ذلك وأبوابراهيم كان دائما يطربنا بصوته الجميل يقرأ على والدي ما تيسر من القرآن إذا اشتدت به الآلام، أما أبو راكان فكان صاحب القلب الكبير الذي كان ملازماً لوالدي طوال الوقت فيسهر إذا سهر ويحزن إذا رآه متعبا وكان رحمه الله كثيراً ما يبتسم إذا مازحه وأخيراً عبدالملك فكان نعم الابن إذا ما اشتد الأمر ولا أنسى أخواتي الرحيمات اللواتي غمرن والدي بالحب والدعاء فأسأل الله أن يتغمد والدي بواسع رحمته وأن يسكنه عالي جناته وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى وأن يجزي كل خير من عزانا في والدنا كما نسأله أن يلهمنا الصبر والسلوان.
abik159@hotmail.com