قابلتُ خبر زيارة الدكتور الشيخ الداعية محمد العريفي للقدس بامتعاض شديد، رحمة به من الانتقاد الذي سيلحقه ! وتمنيت أنه لم يصرِّح ولم تزدد وتيرة الحماس لديه، أو أنه جعل له مرجعية يستشيرها قبل تلك التصريحات المتعجلة ! فربما أنه حسب زيارة القدس كسهولة زيارة جنودنا في الجبهة لردع الحوثيين! وظهوره باللباس العسكري.
أقول ذلك برغم أنني كنت من متابعي الشيخ ولست من تابعيه الذين يصفقون له ويشعرونه بأنهم معه على أية حال ! حتى ولو كانت أقواله تخالف السياسة العامة للدولة أو العرف العام أو الأدبيات المتعارف عليها.
أعلم ما سأتلقاه من سيل هادر من الهجوم من لدن المطبلين، وعلى استعداد تام للسماع والقراءة ولن أسد أذنيّ حتى تنتهي العاصفة، ولكن أود أن أقول لكل مريديه (الذين اعتادوا أن يتبعوا الأشخاص وليست الأفكار) إنه حان الوقت لفلترة الأقوال وانتظار الأفعال. والبعد عن اتخاذ الشرع والدين وسيلة للبحث عن البريق والأضواء.
لأنني أود للمشايخ مثلما يتمسكون بدينهم، أن يركزوا على أهدافه ويشدوا عليها، ويكفي هذا عزا وفخرا.
وأربأ بهم أن يتسببوا -بعفويتهم وحماسهم- في تشويه الصورة الجميلة التي يحملها الناس لهم، سواء بهذه التصريحات أو الفتاوى الشاذة، والخلط بين وجهة النظر وبين موقف الشرع، واستخدام وسائل الإعلام للترويج لها بدلا من سبر الأمور والنظر في عواقبها.
وكلنا يعلم يقينا أن شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله كانت كبده تتفطر على ما يجري في فلسطين ويسوؤه ما يحدث فيها آنذاك، ولكنه لم يصرّح حتى عن لواعجه واشتياقه لزيارة القدس لأنه يدرك أن ذلك من المحال ويكتفي بالدعاء! وظل الشيخ ابن باز حكيماً صابراً حليماً محبوباً وإن لم يزر جبهات القتال برغم قوة تأثيره وحب الناس له، وتعطش الناس لرؤية شخصه، وسماع حديثه الممتع والاقتداء بتبسطه وانكساره لربه. بل إنه لم يظهر في التلفزيون إلا حين جلوسه بتواضع العلماء بجوار الملوك والأمراء، وكان ملء العين والقلب رحمه الله.
ولقد ساءني حقاً تشجيع الناس للداعية د. محمد العريفي في شأن الزيارة، لاسيما أن هذا التشجيع موجّه لشخصه وليس للفكرة ذاتها رغم غرابتها واستحالتها لمخالفتها أنظمة الدولة، وآلمني تباشر الناس بهذا الخبر ووصفه بالبطولة، وصبغه بالشجاعة وتخضيبه بالبسالة حتى تناقلته رسائل الجوال والإيميلات التي كانت تمجد الشيخ وتبارك له، وكأن القدس ستعود لنا بعد الزيارة، إن لم تكن الفكرة قد راقت للبسطاء وتوسلوا بالشيخ لمرافقته.
ألا ترون أنه أصبح من المألوف كل حين خروج أحد المشايخ أو من يحسبون عليهم بالتصريحات البراقة والأخبار اللافتة وتأجيج المشاعر لإثارة الزوابع دون الخروج بنتيجة وكأنهم يبحثون عن الإثارة فحسب؟! لذا فإنني ما إن سمعت بخبر زيارة العريفي حتى قلت في نفسي: احلف يا دكتور! وهل الأمر بهذه البساطة وبتلك السهولة؟ وما يؤسفني أن الشيخ يعد من طائفة المثقفين، فكيف يقع في هذا المنزلق؟ وكيف سيبرر تلك التصريحات غير المحسوبة؟ وإن كان البعض يتوقع أن الناس لا زالوا يعيشون بأفكار السبعينات، فإنهم مخطئون! فالعالم قد تغير كثيرا وأصبحت هذه التصريحات المغلّفة بالبطولات لا تنطلي على بعض العامة، فكيف على المثقفين الواعين لما يدور حولهم؟! وما يؤلمني حقاً هو خيبة الأمل في نفوس بعض من يكنون للشيخ الاحترام.
أما أولئك المطبلون فسيبحثون له عن مخرج، وسيبدؤون بالتهديد والوعيد لمن ينتقد الشيخ أو يخالفهم. وأرجو من الشيخ نصحهم ب(بلع العافية).
وإن كنت أرجو أن تبقى الرموز ماثلة في قلوب الناس، شامخة في نفوسهم دون تشويه.
فهل يفعلون؟!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com