لا أود الحديث هنا عن الكيفية التي يتم فيها استخدام الإنترنت من قبل أفراد المجتمع ولا لأي المواقع يتجهون ولا عن الإحصاءات التي تتحدث عن فضائح في بحثهم عن بعض المواقع أو الكلمات الاستدلالية الكثيرة التي تحمل ما
تحمله من معاني غير لائقة، ولا عن دور الآباء والأمهات في توعيتهم ولا عن دور المدرسة في ذلك أيضاً، ولا عن أسباب شغفهم في البحث الذي يجرونه، ولا عن الوازع الديني والأخلاقي لديهم أثناء قيامهم بما يقومون به، فكثيرة هي المقالات والبحوث والدراسات التي أجريت في هذا الجانب، ولكنني سأتحدث في عجالة عن استخدام الإنترنت في إثارة الفتن وتصفية الحسابات والإساءة للآخر ومصادرة الرأي والتهجم ببذاءة وبأساليب همجية.
الغيبة والبهتان صفتان يجتمع فيهما تحدث شخص عن سلبيات شخص آخر أو أشخاص أو حتى مجتمع بأكمله، لكن ما يفرق بينهما أن الغيبة هي عندما ينقل شخص ما سلبيات شخص ثانٍ لثالث، وتكون تلك السلبيات بالفعل موجودة فيمن يدور الكلام عنه. أما إذا لم تكن موجودة فيه أو فيهم أصلاً، فالصفة هنا تكون البهتان، وهذا لا خلاف فيه ومعظم القراء الكرام يعلمون حقيقة ذلك.
ويرهق الشخص الناقل نفسه حينما يقوم بفعل الغيبة الذي يعتبر نقداً تهديمياً لمجرد التشهير، فيما الأدهى من هذا وذاك أن يأتي بهتاناً وزوراً غير موجود أصلاً في الأشخاص أو الشخص الذي يدور حوله ذلك النقد الهدام المؤدي إلى التشهير به ليس إلا، الأمر الذي يترتب عليه الكثير من الضرر والفساد والكثير من التخريب للفرد محل البهتان أو الغيبة أو للمجتمع بأسره.
أصبح الإنترنت وسيلة للانتقام ونشر الفضائح، وأصبح من السهل إنشاء منتديات أو مدونات يستخدمها من في نفسه مرض للنيل من الآخر وتسخير القلم لإنشاء مقالات فيها من الغيبة والبهتان الكثير بل ذهبوا لأفظع من ذلك، فبعد كتابة المطلوب يقومون بإرساله إلى مجموعات بريدية مختلفة ومنتشرة ليتناولها بالقراءة القاصي والداني العارف والجاهل فينتقل بذلك المرض من شخص لآخر ويبتلى الشخص المبهوت بسمعته وبشرفه وكرامته ومصداقيته ونزاهته.
انتشرت مؤخراً ظاهرة المنتديات التي لا هّم لأفرادها إلا أن يستغيبوا فلان ويبهتوا فلان لا لشيء سوى لإرضاء نزعة همجية لا نفع لها إطلاقاً ولا أساس لها وتأخذ طابع التشهير بأمور هي أبعد ما تكون عن واقع النقد البناء، منتديات تسمح لمن كانت نفسه مريضه أن يستغيب ويبهت دون أن يكشف عن نفسه، يقبع خلف لوحة المفاتيح الخاصة بجهازه الحاسوبي ليقول ويكتب ما يشاء دون وازع ديني أو أخلاقي. لقد وجد هذا المريض وغيره ضالتهم في التعبير عن مكنوناتهم المريضة ونوازعهم الشريرة خلف ستار واقٍ لا يتم مشاهدتهم من خلاله، فتبدأ ألسنتهم بنقد الآخر بصفات خلقها الله به أو بصفات شخصية لا نفع من ذكرها إطلاقاً كأن يقال فلان قصير القامة وفلان فاسد وثرثار وأناني ومتعجرف ويأخذ من الدين حجه لتمرير ما شاء من مخالفات وذلك كافر وآخر جامي وثالث عليه أن يحلق لحيته لأنه لا ينتمي لتيار معين وآخر يجب أن يطلق لحيته لأنه ينتمي لتيار آخر معين وهكذا.
إن تكرار الحديث والتشهير باستمرار مطلق عن الجرائم والفضائح في المجتمع، أو عن النقائص والمثالب في الأفراد من نتائجها الحتمية، أن يقل استفظاع الناس لها واستنكارهم إياها، بسبب ألفتهم لسماعها وبالتالي فإن المنكر يصبح معروفاً، ويصبح المعروف منكراً ومن ثم تشيع الفاحشة في المجتمع، وتعم البلوى، وينتشر الداء، هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد الخاص والشخصي، صعيد الأفراد، فإن اعتياد نهش الأعراض، وتتبع العورات، وتقصي الأخطاء والعيوب، ومن ثم إذاعتها ونشرها واتخاذها مادة دسمة لتزجية الفراغ، يؤدي بلا شك بالإنسان المتتبع المتقصي إلى نوع من الإدمان على ممارسة دور الذبابة، هذه الحشرة التي دأبها التنقل بين الخبائث المأكولة والمشمومة، لتقوم من بعد ذلك بتوزيع الأذى والقرف والمرض، ونشرها بالمجان حيثما ارتحلت أو حلت من أجسام الناس ومرافقهم العامة أو الخاصة.والله من وراء القصد،،،