جميل أن يهتم المرء بمرجعية سلالته وعرقيته وأن يؤرخ لأسرته وفصيلته وعشيرته وأن يتخذ لذلك شجرة لها أصولها وفروعها لتكون دليلاً للأجيال المقبلة من الأسرة للتواصل المعرفي بأصولهم ونشأتهم، مجرد من الشعور بالتفرد أو التميز والأفضلية على فصائل أخرى وإلاّ كان هذا التأصيل العرقي خارجا عن الإطار المتعارف عليه، وعن دلالة النصوص التي تمنح المزيد من الكرامة مع مزيد من التقوى (بصيغة أفعل)، فإن كان التشجير للعائلة وتفريع البطون والأصول على نحو يراد منه تزكية العرق وكرامته وإحاطته بمعانٍ لا تليق إلا به دون الغير فهو المنحى الخطر والمنزلق غير المأمون نحو التعنصر المذموم، ولكل إنسان بمفرده أو في حدود أسرته الصغيرة أو عشيرته إلى آخر حدود التقسيم ما يعطيه الحق بالتكريم الذي اكتسبه ويكتسبه بالالتزام بمعايير التعايش والأعراف التي ترعاها الأنظمة المستمدة من الشرع الحكيم مع مراعاة ما يمكن أن يحققه الفرد من مكتسباته الشخصية كالشهادة الدراسية وتدرجها للأعلى، أو التدرج الوظيفي والترقي القيادي فيه، أو التخصص الذي يقود لموقع مهني وظيفي لا يشغله إلا من هو مثله فهذه منجزات فردية يحققها الإنسان باجتهاده ومثابرته ويحقق ما هو أعلى بعلو همته وقوة عزيمته حتى وان اختلف الانتماء للأسرة والعشيرة ولذلك فإن ما يخرج عن هذا الإطار قد يكون نواة لشرارة عنصرية إذا أسئ تفسيرها والتعامل معها؛ ومن ذلك أن بعض من يقرأ كتباً صدرت لتحصر عوائل سكنت منذ القدم في بعض المدن لمجرد التأريخ والحصر كمرجع لباحث أو نحوه يدفعه الحماس ليدون ما يشابه تلك الكتب سواء ورقياً أو إلكترونياً ويؤسس لمعلومات قد لا تكون موثقة ومترابطة في تسلسلها التاريخي ويشوبها غبار التحيز والميل إلى فئة ما، أو عرق ما بدوافع لا مبرر لها سوى أنهم أبناء المنطقة أو المدينة التي ينتمي إليها معد المادة، ومن ذلك أيضا أن بعض الأسر وبحسن نية مماثلة بدأت تصدر مجلات دورية أو فصلية مخصصة للحديث عن الأسرة وجذورها ومواقف كبار السن أو أسلافهم وتعداد محاسنهم وفضلهم والمرور في كل إصدار على عدد من أفراد الأسرة وذكر مناصبهم الوظيفية أو الحديث عن شركاتهم ومؤسساتهم صغيرة كانت أو كبيرة والهدف على ما يبدو لا يخرج عن حماس ضل طريقه، وبالنوايا الحسنة تقدموا خطوات نحو التفاخر والتبارز وربما التكاثر المنهي عنه، هذا يصدر كتاباً عن قريتهم وآثارها وتاريخها لكنه يطعّمه بذكر أشخاص تربطهم به صلة القربى والنسب، وذاك يتحدث عن أسر تقطن مدينتهم فيقلده آخرون بحماس اعمي غير مدركين لوعورة المسلك، ويتبعهم مصدرو المجلات والدوريات الخاصة بعوائلهم وأسرهم غافلين عن الآثار السلبية التي خلفتها صفحات في الإصدار أو عناوين ملفتة أو عبارات تحمل إيحاءات عنصرية تفاخرية هم في غنى عنها، وهم في الغالب لم يخططوا لذلك غير أنهم مع تكرار صدور دورياتهم تشعبت بهم السبل وشجون الحديث عن الأسرة فحدث ما لم يكن في دائرة تفكير المخطط للإصدار أو ربما وقع في سلبيات المجاملات فنشر ما لم يكن مناسباَ للنشر أو ما يسيء للأسرة.