فتحت عينيها.. يا إلهي!!
الرؤية متلاشية.. وهناك ضباب كثيف يحجب بينها وبين مذكراتها.. أوراقها، بل وحتى طفلتها وأشياء أخرى..
آه.. تذكرت قبل نومها..!!
حفلة الأمس المشبعة بالأوجاع..
لحظات الألم وفصول السنة التي مرت بها!
أحست بحرقة جوفها.. شعرت بأنها تهوي..
حاولت بلع عبرتها وهي تطبق على شفتيها بشدة، حتى تهيأ لها بأنها لا تنفرج بعد ذلك أبداً..
كانت طفلتها ذات السابعة من العمر مشبعة بالحيوية والنشاط حتى ليلة البارحة عندما احتدم النقاش بينها وبينه فهوت يده مجازفة نحو صابرها ولم ينه الموقف غير سقوط هند على الأرض وهي تصرخ بشكل هستيري حتى توقف صوتها وسكنت قسماتها الشحوب..!
حملوها بسرعة المشفق الخائف إلى الطبيب الذي خرج من غرفة الكشف ليعلن إصابتها بالسكري!! تلونت الحياة في ناظري والديها واختلط صوت الضمير.. والندم.. والإحساس بالذنب لصراخها وهم يسمعونها تستغيث بهما متعهدة بأن تكون مطيعة مرتبة..
التقت نظراتهما وكل واحد منهما يتذكر تهديده لها (بالإبرة) عندما لا تسكن حركتها وبعثرة ألعابها كطفلة..
شعرا بلحظة الفوبيا التي تتشبع كيانها عند اقتراب الإبرة منها!!
كانت الطفلة على وشك الذبول إلا أن حديثها مع جدتها الحبيبة عند زيارتها أطفأ لهيب الهم في قلبها الصغير وهي تسألها:
هل تؤلمك الإبرة يا جدة؟؟
فترى في انفراج شفتيها الحنونة تفاهة الموقف وتلاشي الخوف وهي تقول:
لا يا حبيبتي فأنا بنفسي من يأخذ الإبرة، والسكري يا حبيبتي هو ارتفاع السكر في الدم عن المعدل الطبيعي ما بين 70 - 100 ملغم، وأنت طفلة اليوم طبيبة الغد يجب أن تعلمي ماذا حدث لنا.
فهو مجرد نقص في هرمون الأنسولين أو عدم فاعليته وأحياناً يكون غير موجود بتاتاً، هكذا قال لي الطبيب وهو يصف لي العلاج..
أتعلمين؟!..
الخلية هي محرك الجسم وتتكون جميع أعضاء الجسم من ملايين الخلايا الصغيرة وتعتمد جميع وظائف الجسم كالمشي والكلام والتمارين الرياضية والتفكير على الطاقة التي يتم توليدها في الخلية، والجلوكوز (السكر)، هو هذا الوقود، وبدون هذا الوقود لا تستطيع الخلية العمل وتصاب بضعف شديد، ويتراكم السكر في الدم، كما أنها قد تموت إذا لم يتم تزويدها بالوقود اللازم.
وأنت يا هند حلوة كجدتك..
وهذه الأنبوبة المدببة ليست إلا حاوياً يعوضني ما نقص جسدي من مقومات الحياة وينظم وقتي وغذائي..
.. والشكر لله ثم لمن اكتشف هذا المحلول لكي أمشي وأصلي وأمارس واجباتي بكل نشاط..
وأنا أعلم أنه لم يصبني إلا لأني أجمل الجدات على الأرض..
وهي تغمز لحفيدتها وتبتسم..
أقبلت هند نحو جدتها وحضنتها وبكت، بكت وكأنها تفرغ لحظات الخوف والهم لهذا الموعد (الإبرة) ثم تبتسم بعد إشراقتها وهي تضم جدتها وتقول:
شكراً للسكري فقد نظم حياتي..