لابد أن نقف ونستوقف أمام أي نجاح نسائي يتحقق ويورق ويشجر المكان، لأنّ الكثيرات ممن هن في الميدان يعين تماماً الصعوبات والمعوّقات المركبة التي تنهض أمام أي طموحات لامرأة وطنية، ونساء شتى قد خبرن طبيعة الأرض الممحلة المتصحرة المطوّقة بالمثبطات والمحبطات التي تتقاطع مع حلمهن، باستزراع بضع شتلات في حقول لطالما ظلّت تتوجّس من النساء وتطوّقهن بالدونية والتشكيك بالقدرات، إلى الحد الذي يتطلّب وصاية دائمة.
ومن هنا لابد أن نقف لنتأمّل بتقدير وإعجاب المجهودات التي قامت بها اللجنة النسائية التراثية في الجنادرية 25، سواء من ناحية الأفكار الابتكارية المبدعة، أو السياق التنظيمي، أو المجهودات التي قامت بها نساء اعتدن الركون إلى الكواليس، لكنهن من هناك حملن الوطن إلى الواجهة والمقدمة على المستوى المحلي والخليجي.
فالأمر الأول الذي يلفت النظر في اللجنة التراثية التي ترأسها د. إقبال العرفج، وتقوم بمساعدتها الأستاذة موضي المقيطيب، تحف بهن باقة من النساء المفعمات بالجمال والألق الوطني، هو طموحهن الموجع، هذا الطموح الذي يدفعهن للإصرار على أن لا تقل أنشطة اللجنة التراثية، عن ما يتم ويرتّب له في القسم الرجالي (وقد يبدو الأمر هنا أشبه بالمزحة مقارنة بالدعم والميزانية المقدمة للأنشطة الرجالية بموازاة النسائية)، لكن هذا الأمر بالتأكيد لم يثنيهن أو يفتّ في عضدهن، أو لعلّه شكّل لهن نوعاً من التحدي لتجاوز الصعوبات من خلال النهر الأنثوي المتدفق عطاءً وتخصيباً لمحيطهن.
فلأول مرة على مستوى المملكة، كان هناك في المملكة تكريم لشخصيات نسائية خليجية، وعندما تقدِّر وتكرم المملكة الشخصيات النسوية المبدعة والناجحة والفاعلة محلياً وخليجياً، فإنما تتبنّى واجهة مضيئة تتحدى الكثير من الشعارات التي تنعتنا ببادية الظلمات، أو أننا جهة تبخس النساء حقوقهن المواطنية وتعجز عن الزّهو بهن، الريادة في مجال تكريم المرأة أتت هنا بمبادرات ومجهودات شخصية تطلّبت شهوراً من المتابعة والإعداد بحسب ما أخبرتني بعض عضوات اللجنة.
ولم يتوقف الأمر هنا بل رافق حفل الافتتاح أوبريت وطني بخمس لوحات تفيض بالأمل والضوء والكلمات الفخورة بالمرأة الحصان الرزان شقيقة الرجال، قدّمته مجموعة من طالبات المدارس وثلة من النساء اللواتي تمنطقن بأحزمة الفل وأكاليل جيزان، وهزجن بسامري عنيزة، وبرقن بأردية شريفات الحجاز .. إضافة إلى مشاركات من دولة فرنسا في حفل الافتتاح، لتعطي الجنادرية زخمها وروحها التي تسعى إلى تبنّي رؤية خادم الحرمين بالحوار ... الجنادرية هي حوار مع فرنسا التنوير، وحوار مع الجار الخليجي وحوار بين مناطق الوطن بثراء ألوانها وبتعدُّدها المناطقي والمذهبي.
سيكون من الظلم الكبير للمجهودات التي تمّت سواء على مستوى حفل الافتتاح، أو الأنشطة الموازية المقدمة للطفل، أو تلك المتعلقة بالأمسيات الشعرية وأنشطة الرواق الأدبي, أو تغليف المكان بالرموز والشعارات الوطنية من جميع المناطق بشكل يستجيب لنبض الجنادرية السنوي.
لكن أيضاً سيكون الظلم أشد فداحة فيما لو لم نقف ونستوقف ونشير إلى نجاح نسائي في اللجنة التراثية يتحدّى نفسه عام إثر الآخر.