Al Jazirah NewsPaper Tuesday  30/03/2010 G Issue 13697
الثلاثاء 14 ربيع الثاني 1431   العدد  13697
 
أمن الإمدادات وفقر الطاقة على رأس قائمة أولويات منتدى الطاقة الدولي
حوار المنتجين - المستهلكين يعقد لأول مرة في ظل توافق مبدئي حول أسعار النفط الحالية

 

د. حسن أمين الشقطي

بمشاركة 64 دولة و36 شركة نفطية عالمية انطلق منتدى الطاقة الدولي في مدينة كانكون المكسيكية، وهو المنتدى الثاني عشر الذي يتم تنظيمه. ويضم هذا المنتدى غالبية المنتجين والمستهلكين، فضلا عن المنظمات الدولية للطاقة، التي أصبحت تتعدد في أشكالها.. ويتعرض هذا المنتدى لقضايا عدة، من أهمها استقرار إمدادات الطاقة، وسبل السيطرة على تقلبات السوق، وكيفية ضمان استقرار الإمدادات.. وإذا كانت هذه القضايا تمثل أساس المشكلات التي لطالما تمت مناقشتها في ثنايا محافل الطاقة الدولية السابقة فإن الجديد في هذا المنتدى هو مناقشة قضية فقر الطاقة.

وينطلق هذا المنتدى والأسعار العالمية للنفط تحوم حول مستوى الـ80 دولارا، وهو مستوى كان يعتبر مرتفعا للغاية بالنسبة للمستهلكين منذ سنوات قليلة.. ولكن يبدو أن تطورات مثيرة ضربت سوق الطاقة هي التي مهدت الطريق لتقبل مثل هذه الأسعار الجديدة والمرتفعة..

وفي اعتقادي أن هذا المنتدى ينال أهمية خاصة لأنه يرسخ حوار المنتجين - المستهلكين، وهو الحوار المستجد على ساحة سوق الطاقة العالمية، ذلك السوق الذي لطالما عرف باستحواذ المستهلك فيه على الكلمة الأولى والأخيرة.. فالسوق ظل طويلا محتكرا من قبل المستهلك.. أما الآن فقد طرأت تغيرات مهمة أدت إلى تقاسم المنتج -المستهلك للقدرة على صنع القرار، أبرزها ظهور بوادر لسوق حقيقي للنفط تلعب فيه قوى العرض والطلب دورا أساسيا في تحديد السعر، ومن ثم فقد ظهرت المضاربات، وبدأت تلعب دورا مهما، بعد أن كان دورها لا يذكر منذ فترة قصيرة.. فضلا عن أن النفط السهل والرخيص في الدول المنتجة كافة يكاد يكون قد انتهى أوانه، فالضخ التلقائي من آبار كانت متورمة في الماضي أوشك على الانتهاء، ووصل بعض كبار المنتجين إلى أقصى ذروة للنفط الرخيص، وبعضهم قد دخل فعليا في إنتاج النفط الغالي الثمن.. أي أن قضية النضوب وضعف وغلو الاحتياطيات الإضافية الجديدة أصبحت تمثل النقطة الجوهرية التي يجب مناقشتها مع أي منتج قبل التفكير في مناقشته حول رفع سقف الإنتاج والسعي لضبط الإمدادات للسيطرة على السعر العالمي للنفط، الذي هو في النهاية مطلب الدول المستهلكة.

ومنذ خمس سنوات تقريبا بدأ يثار جدل ومناقشات متسعة حول الانبعاثات الحرارية الصادرة عن الطاقة غير النظيفة ما بين المنتجين - المستهلكين للطاقة، كما سيطرت أيضا قضايا البدائل المتجددة للنفط، أو البدائل النظيفة على أطروحات المجتمعين، إلا أنها جميعا كانت بمثابة ضغط على المنتجين لضبط الأسواق ومن ثم كبح جماح أي زيادات جديدة في الأسعار العالمية للطاقة.

وفي اعتقادي أن هذه التوجهات لبدائل الطاقة أثبتت فشلها حتى هذه اللحظة، حتى رغم ترويج منتدى الطاقة الحالي أن الاعتماد على هذه البدائل الأحفورية (النفط/ الغاز) سوف يستمر عشر سنوات فقط.. فواقع التجارب والمحاولات لا يزال يثبت مدى الفشل الذريع أو عدم القدرة على الوصول إلى إنتاج تجاري حقيقي لمصادر الطاقة البديلة كافة، التي قادت مبادراتها الولايات المتحدة الأمريكية.. ونستعرض في الجدول رقم (7) ميزان الطاقة الأمريكي، وهو الميزان الذي يثبت استمرار النفط والغاز كأهم مصادر للطاقة سواء في الإنتاج أو الاستهلاك؛ حيث إنهما يستحوذان على نسبة 61.9 %، وذلك رغم الإنفاق الكبير الذي بادرت به الحكومات الأمريكية المتعاقبة على التجارب والأبحاث أملا بالوصول إلى مصادر بديلة للطاقة من النفط والغاز، إلا أن أرقام ميزان الطاقة الأمريكي تثبت بما لا يدع مجالا للشك فشل هذه التوجهات.

أما القضية الجديدة التي بدأت الدول المستهلكة في إثارتها حاليا فهي قضية فقر الطاقة، بمعنى عدم قدرة العديد من السكان الفقراء في العديد من الدول النامية على الوصول إلى مصادر الطاقة؛ فهم محرومون منها. وفي اعتقادي أن هذه الدعوة إنما تنم عن رغبة المستهلكين في الضغط على الدول المنتجة لتقليص الأسعار العالمية للنفط والغاز إلى ما دون المستويات الحالية أملا بتسهيل وصولهما إلى الفقراء في العالم.

أما القضية الأخرى التي ستطرح في هذا المنتدى فهي قضية استثمارات الطاقة، كم يحتاج العالم أن ينفق لضمان أمن وإمدادات الطاقة؟ ومن يستثمر؟ وكيف يمكن جذب المستثمرين إلى موارد الطاقة؟ فعلى الرغم من أن جانباً من مناقشات المنتدى ستدور حول مصادر الطاقة البديلة المتجددة إلا أن جانباً أكبر سيركز على مناقشة سبل جذب وتعزيز الاستثمارات في مجالات النفط والغاز، فهناك رغبة في تدبير استثمارات، البعض يقدرها بما يزيد على 16 تريليون دولار؛ وذلك لتمويل عمليات استكشاف وتنقيب جديدة تلبي الطلب المتزايد من قبل الدول النامية الصاعدة؛ فهناك حاجة الآن لتعزيز إنتاج نفطي جديد لتلبية الطلب المتنامي دون زيادات جديدة في السعر. ومن جانب آخر فإن هناك حاجة لاستثمارات كبيرة للإنفاق على تحديث وتجديد الموارد النفطية الحالية التي بدأت تتقادم في كثير من الدول.

إنَّ ترك مصير هذه الاستثمارات للدول المنتجة فقط يعرِّض الأمن العالمي للطاقة لمخاطر جمة؛ وبالتالي فإن المستهلكين يرون الآن ضرورة وقوفهم بجانب المنتجين لتدبير هذا القدر الهائل من الأموال الجديدة لتمويل كامل عمليات الإضافة والتحديث لبنية الدول المنتجة النفطية. في اعتقادي أن الدول المنتجة بدأت تضع أيديها في السياق الصحيح في مناقشاتها مع الدول المستهلكة. وفي الاعتقاد أن البيئة تسير في صالح المنتجين، وبخاصة مع القوة الكبيرة التي بدأت تحققها أوبك في مفاوضات المنتج - المستهلك.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى الدور المحوري للمملكة العربية السعودية في ضبط واتزان سوق الطاقة ككل، حتى في الوصول إلى مرحلة الحوار الحقيقي بين المنتج - المستهلك؛ فقد لعبت الدور الأكبر في بناء وإيجاد هذا المنتدى منذ البداية تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين؛ فالمملكة تمتلك أعلى طاقة إنتاجية يومية في العالم من النفط، كما أنها تمتلك أعلى مخزون نفطي على الإطلاق، فضلا عن أنها تعتبر ضمن أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، وضمن الخمس الكبار في احتياطياته.. وفي هذا المنتدى تتولى المملكة تقريبا - مشاركة مع عدد من ممثلي الدول الأخرى - إقرار توصيات مهمة تساهم في ترسيخ بنيان منتدى الطاقة العالمي وتطوير آليات عمله.

محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد