Al Jazirah NewsPaper Friday  26/02/2010 G Issue 13665
الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
 
المدرسة الانطباعية والفن التشكيلي السعودي

 

تعد المدرسة الانطباعية والتي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر في فرنسا الحد الفاصل بين الفنون السابقة وبداية الفن الحديث، فقد أتاحت الانطباعية بتحررها الكبير في اللون وفي أهمية الرؤية الخاصة بالفنان نحو الأشياء، إلى فتح الباب على مصراعيه لمدارس القرن العشرين المتعددة. ولا شك أن لظهورها أسباب ومحفزات تجعل انتشارها في تلك الفترة ولمدة ربما تجاوزت النصف قرن أمرا مقبولا ومتوقعا، حيث أثرت تلك المدرسة في العديد من الفنانين خصوصا في بداياتهم الفنية، بل إن عدداً من مؤسسي المدارس اللاحقة كانت بداياتهم كانطباعيين.

ومن شاهد الأعمال الفنية لبعض روادنا مثل محمد السليم وعبدالحليم رضوي يرى أن بداياتهم كذلك وقت الدراسة في ايطاليا كان فيها نوع من الانطباعية نتيجة أساليب التعلم التي تطبق آنذاك في أوربا، كما ولا تزال المدرسة الانطباعية تؤثر في عدد من الفنانين المحليين حتى اليوم، البعض منهم اتخذها كمؤثر وصولا إلى أسلوبه الخاص، بينما البعض الآخر لم تكن لأعماله أي إضافة على أسلوب تلك المدرسة، وفيما يلي عرض لبعض الأعمال الفنية المحلية التي تأثرت بالمدرسة الانطباعية كأسلوب قامت به مجموعة من طالبات الفرقة الثالثة في كلية التصاميم والفنون بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن ضمن مادة تاريخ الفن الحديث والمعاصر:

استخدم الأسلوب الانطباعي كثير من الفنانين السعوديين وما زال تأثيرها قائما حتى الآن, ونحن في هذا الاستعراض أردنا أن نلقي الضوء على بعض اللوحات لفنانين سعوديين متأثرين بالانطباعية، نبدأها بالفنان عبدالله الشلتي، من أبها بمنطقة عسير وهو أحد الفنانين المتميزين اللذين كان للبيئة التي عاش فيها تأثير في حلوله الفنية، فقد رسم الشلتي الطبيعة العسيرية, بكل ما تحويه من مكونات، ولم يعبأ كثيرا بطريقته في الرسم إلا أن للمدرسة الانطباعية تأثيرا ظاهرا في أعماله ولكن بأسلوب يظهر فيه التعبير قويا من خلال ضربات الفرشاة التي تكون غير نقية في اللون ويظهر أيضا نوع من التحديد باللون الأسود مثلما فعل فنانو ما بعد التأثيرية في فرنسا بداية القرن العشرين. وإذا كانت أعمال الشلتي ذات أسلوب انطباعي في الشكل بدأ به ولا يزال يستخدمه، إلا أن لأسلوبه هذا نوع من التميز المختلف عن أسلوب المدرسة الأصلي، خصوصا وأنه يستخدم الموضوع المحلي في أعماله مثل الطبيعة والحياة اليومية في عسير والمواضيع المرتبطة بالثقافة السعودية.وفي بداياته تأثر الفنان صديق علامي كشاف بالمدرسة الانطباعية, وأعتبرها أقرب المدارس لنفسه وإن لم يكن متقيداً حرفياً بها على حد قوله، ففي لوحته (الطريق)التي تمثل طريقا منحنيا تحفّه النباتات الخضراء من جهتيه, يظهر الأسلوب الانطباعي من خلال أسلوب التلوين والضربات اللونية بالفرشاة, ويبرر أسلوبه الانطباعي بأنه واقع تحت ذات التأثير لفناني الانطباعية الأوائل، فهو يرسم من الطبيعة مباشرة والتي يعايشها قلبا وقالبا ثم يرسمها.

وللفنان منير الحجي في بداياته أسلوب يتشابه لحد التطابق مع أسلوب الانطباعيين التنقيطيين حتى في الدائرة اللونية المستخدمة، يظهر جليا في لوحته (ساحل الشرقية) من حيث الموضوع والتكوين وتوزيع الألوان, وقد اتجه الفنان منير إلى الانطباعية والتأثيرية بجدية أكبر وواصل الرسم بهذا الأسلوب لمدة سنتين أو ثلاث، إلى أن تميز بأسلوب خاص ذي اتجاه مختلف.

وتختلف تقنية التنفيذ عند خالد الحكمي التي تتشابه مع أسلوب بعض فناني ما بعد التأثيرية والتي قادتهم لاحقا إلى التجريدية، فهو يبالغ في التبسيط ويلغي الحدود للعناصر، ويظهر التعبير الحر من خلال الملمس الذي يركز عليه وفي تأثيرات الظل والنور، وإذا كان الحكمي انطباعيا في الشكل إلا أن أسلوبه ذا طابع شخصي يميزه كفنان لا كمقلد.

واستوحى فؤاد مغربل كثيرا من بيئته ومناظر المدينة المنورة، وبأساليب واتجاهات فنية مختلفة، منها التكعيبية التي تأثر بها في العديد من أعماله في فترة ما، وربما سبقتها تأثيرات من المدرسة الانطباعية نراها في لوحة (باب المجيدي) التي تتفق مع أسلوب المدرسة الانطباعية في بداياتها من حيث أسلوب استخدام اللون والموضوع بشكل عام، ولوحة (الشونة) يصور الفنان فيها بيوت متلاصقة وشوارع ضيقة معيداً صياغتها في أسلوب تشكيلي يعبر عن كيانه في تجربة فنية تطورت بوعي جمالي متأثرة بالبيئة بكل أبعادها مع مختلف التقاليد في محاورة للتيارات الحديثة، واستخدم مغربل في هذا العمل اللون البني بدرجاته الفاتح والغامق فأوحت إلى عبق البيوت القديمة, ثم أدخل عليها الأزرق الغامق والفاتح فأضاف على اللوحة جمال إحساسه بها لبناء لوحته ساعيا بجهده للتعبير عنها بعمق بطريقة أكثر حداثة وذلك من خلال الشكل واللون، فعكست بهذا أسلوب المدرسة الانطباعية في مراحلها المتقدمة حين عادت إلى إظهار التقسيمات في العمل الفني، وربما كان تأثر مغربل في بداياته ناتج عن أسلوب الدراسة الذي انعكس على الكثير من فناني الجيل الأول اللذين درسوا في الخارج وبعض فناني الجيل الثاني من خريجي معهد التربية الفنية قبل وصول البعض منهم إلى أسلوبه الخاص.

ولا يزال سعد العبيد مخلصا لأسلوب المدرسة الانطباعية بشكلها الذي ظهر في البداية، ففي لوحته (الرياض) يصور مباني مدينته بكل حميمية ومودة ونجد أنه نقل إلينا مظاهر التطوير العمراني الذي تشهده مدينه الرياض وربطه بالمظاهر العمرانية القديمة ممثلاً في البيوت الطينية ليشعر المتلقي بالتطور التاريخي العمراني لمدينة الرياض. ومن خلال لوحته اعتمد بشكل واضح على اللون مباشرة ومنحها شيئاً من الشفافية بالأبيض والبني حينما يوظفها للظل والنور فأصبح الأخضر والأصفر والبني والبرتقالي عصب اللون في لوحته ليعبر عن مشاعره مهما كانت مطابقة للواقع. أما لوحة (من ملاحم التوحيد) ففيها تصوير لملحمة فتح الرياض مبرزاً البطل عبد العزيز على صهوة جواده حاملاً سيفه وخلفه جنوده المحاربون بحيث تعكس أجواء المعركة بطريقة تعكس تفاعل الفنان مع الموضوع ومع العمل الفني، الذي استخدم فيه الألوان الداكنة والفاتحة ليزيد من التباين اللوني فيزداد فعل التأثير على المتلقي الأمر الذي يشعرنا بالأجواء المرتبطة بالملحمة. وتأثر العبيد بالمدرسة الانطباعية تأثر شكلي مباشر دون أن يكون فيه إضافة طابع الأسلوب الخاص، ولكن الموضوع في بعض الأحيان يختلف عن المواضيع المعروفة لدى الانطباعيين، فهو يضيف الخيال تارة، ومواضيع ذات حركة تارة أخرى، وهو ما لم يظهر في المواضيع المطروحة لدى الانطباعيين.

وختاما نجد أن المدرسة الانطباعية لا تزال تلقي بظلالها على عدد من الفنانين المحليين، البعض تأثر بها في فترة الدراسة أو في بداياته الفنية، والبعض الآخر طور أسلوبه ليتماشى مع بعض من خصائص المدرسة الانطباعية لكن باتجاه أو أسلوب شخصي منفرد، بينما استمر البعض الآخر في نقل ذات السمات التي نقلها لنا الانطباعيون دون أي تغيير أو إضافة أو إبداع.

مقال من فكرة وإنشاء: نجود الوهيبي_ مريم الدوسري_ مها الشيباني_ الهنوف الشيباني
تقديم وتحرير: مها السنان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد