Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/02/2010 G Issue 13653
الأحد 30 صفر 1431   العدد  13653
 
شيء من
لا.. ثم هَـوّنا: البلاك بيري مثالاً!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

أنْ تتحالف مع الفشل، وأنْ تتحدى التقدُّم، وأنْ ترفض كل جديد، وأنْ تقول (لا) قبل أن تقول (نعم)، وأنْ تصر على أن الأصل في الأمور (سد الذرائع) حتى يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يفضي إلى محرم ولو بنسبة (نصف) في المائة، وأنْ تصبح قضيتك المرأة و(غمغمتها)، وأنْ تكره الغرب، وثقافة الغرب، وكل ما يمت للغرب بصلة، معنى ذلك أنك (متشدد) بامتياز.

تراث متشددينا كمٌّ هائل من (اللاءات)، وكمّ هائل من (المحرمات)، وكمّ هائل من (العيب)، وكم هائل من (الممنوعات)، غير أن كل ذلك (دواه) على ما يبدو عجلة الزمن، والاقتصاد، والانفتاح الإعلامي القادم من الفضاء الذي لا نملك أن نتدخل في توجيهه. منذ أن حرّم أسلافنا (القهوة) ثم (هوّنوا) ونحن نعيش في مسلسل من (التهوينات).. والغريب أننا عندما نذكرهم بتهويناتهم هذه يعتبرون أننا (نستنقصهم)، أو أننا نريد أن نسقط الرموز كما هو لسان بعضهم، وأن من ينتقص العلماء وطلبة العلم يُخشى عليه من (النفاق) والعياذ بالله!.. سؤال: ألستم مَنْ حرمتم في البداية؟.. ثم ألستم من (هوّنتم) في النهاية؛ طيب، هل التذكير بهذا التاريخ انتقاص؟

في الأسبوع الماضي أعلن الناطق الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف في الرياض أنهم سيشنون حرباً لا هوادة فيها على جهاز (البلاك بيري)، وأن ذلك من حقهم، لا ينازعهم فيه أحد؛ فهم - كما قال الناطق - إحدى الجهات المخولة بالضبط الجنائي التي يحق لها نظاماً تفتيش الناس بحثاً عن الجريمة. غير أن (نظام الإجراءات الجزائية) الذي استند إليه الناطق - وفقه الله - لا يخول الرجال تفتيش النساء، كما جاء في مادته رقم (42)؛ تقول هذه المادة: (وإذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش من قِبل أنثى يندبها رجل الضبط الجنائي). أي أن هناك 50 % ممن يستخدمون هذا الجهاز إناثاً؛ وبالتالي سيكونون في منأى عن تسلطهم، وهذا يعني أن التفتيش سينصب على الشباب دون الشابات. الأمر الآخر أنه بمجرد ضغطة (زر) من صاحب الجهاز تختفي كل المعلومات، ويصبح الجهاز المستهدف خاليا مما يُدين صاحبه. بمعنى أن هذه الحملة لا بد أن تنتهي إلى (هوّنا) كما هوّن إخوة لهم من قبل، عندما شنوا حرباً على الجوال (أبو كاميرا)، وانتهت بالفشل الذريع. وللمرة الألف نقول إن المنع ليس حلاً، وإنما التوعية والتثقيف هما الحل. أن تبني في ابنك أو في ابنتك حصانة من داخله، وترتقي بإحساسه بالقيم والأخلاق، أفضل بكثير من أن تفرض عليه حصانة من الخارج.

الغريب أن رجال الهيئات يكررون أخطاءهم، ولا يتعلمون من تجاربهم؛ فهم يتلمسون - أولاً - في أقوال السلف ما يدعم تسلطهم، حتى وإن كانت أقوالاً ضعيفة، فإذا وجدوا - مثلاً - أن التجسس، وكسر الخصوصيات، وتفتيش الأشخاص، وانتهاك أستارهم، (يُحرمه) الإسلام من حيث المبدأ، تلمّسوا لتسلطهم مبررات في الأنظمة والقوانين، فلووا أعناق (موادها)، ووظفوها بالشكل الذي يُبقيهم سيوفاً مسلطة على رقاب الناس.

وكنا قد استبشرنا خيراً عندما صرح مدير الإدارة القانونية بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ خالد بن عبدالله الشافي قائلاً: «إن الرئاسة تعمل على إنشاء وحدة (حقوق الإنسان) ضمن التشكيلات للشؤون القانونية الجديدة». غير أن هذا الخبر المفرح لم يدم إلا أياماً؛ ليصرح المتحدث الرسمي لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض بأن وحدة (حقوق الإنسان) الموعودة مجرد ذر للرماد في العيون ليس إلا؛ فسوف يلاحق أعضاء الهيئة الناس في أخص خصوصياتهم وأسرارهم.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد