Al Jazirah NewsPaper Monday  01/02/2010 G Issue 13640
الأثنين 17 صفر 1431   العدد  13640
 
عندما يؤرَّخ ضياع فلسطين
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

ما يشاهده المرء الآن فصل يكاد يكون الأخير من فصول مسرحية ضياع القضية الفلسطينية. هذا في نظر كاتب هذه السطور ونظر أمثاله من الذين يبنون نظرتهم التشاؤمية على أساس ما رأوه من..

...نذر واضحة المظهر طوال نصف قرن من الزمن. أما في نظر المتفائلين فالوضع مختلف.

هؤلاء كثيراً ما رددوا عبارة مخدرة هي أن الصليبيين، أو الفرنجة كما تسميهم المصادر الإسلامية المكتوبة في عصرهم، قد احتلوا فلسطين قرابة قرنين من الزمن، ثم أخرجوا منها مدحورين، وعادت تلك البلاد إسلامية عربية.

كاتب هذه السطور لن يتحدث عمَّا كان من مقدمات مأساوية مهَّدت لقيام الكيان الصهيوني العنصري عام 1948م. ذلك أنه لم يعايش تلك المقدمات معايشة يفهم شيئاً منها ويدرك أبعاده. بداية وعيه كانت بداية متفائلة انطلقت صدى لما حققه العرب من حضور في الساحة الدولية في مؤتمر باندونج، عام 1955م، الذي نتج عنه قيام ما سمي دول عدم الانحياز، والذي كان من بين نجومه البارزة ممثلا مصر والمملكة العربية السعودية. وكان من ملامح ذلك العام انطلاق الفدائيين الفلسطينيين من غزة بعملياتهم ضد الدولة الصهيونية، وهو الانطلاق، الذي يبدو أن من أهم ما أوحاه انطلاق الثورة الجزائرية العظيمة المجيدة عام 1954م، وتخلص الأردن، بقيادة الملك الشاب حينذاك، من هيمنة القادة البريطانيين العسكرية.

وفي عام 1956م كان لصمود مصر؛ قيادة وشعباً، مؤيدة تأييداً قوياً من الدول العربية؛ قيادات وشعوبا، أمام العدوان الثلاثي التآمري أبلغ الأثر في النفوس المخلصة لأمتها. ثم جاء قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م، ليبعث مزيداً من التفاؤل في تلك النفوس. وفي ذلك العام نفسه شاهدت أمتنا وفاة حلف بغداد، الذي كان في طليعة المعارضين له قادة وطننا العزيز.. المملكة العربية السعودية.

على أن تلك المؤشرات الإيجابية التي تبعث الأمل والتفاؤل بمستقبل تتحقق في مسيرته تحرير فلسطين من المحتلين الصهاينة. فلم تمض إلا شهور قليلة حتى أحكم الشيوعيون سيطرتهم على مقاليد الأمور في العراق، واستشرى سحل الناس في الشوارع بكل وحشية باركها شعراء عراقيون كبار أمثال من وعد أن يجعل من جماجم الخصوم من أبناء وطنه منافض للسجاير، ومن حث حكام بلده على شد حبال السحل والشنق لأولئك الخصوم. ولم تمض ثلاث سنوات على قيام الوحدة بين مصر وسوريا حتى حدث الانفصال. ولا تسل عن أسباب ما حدث في العراق وفي مسيرة تلك الوحدة القصيرة العمر؛ وهي أسباب في طليعتها سوء إدارة القادة السياسية.

وتوالت ما يدعو إلى التشاؤم، لا التفاؤل، في مستقبل يرى فيه تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. وما كانت الحرب الكريهة في اليمن بين الملكيين وأنصارهم والجمهوريين وأشياعهم إلا نذيراً من تلك النذر.

وكانت تلك الحرب سبباً من أسباب هزيمة العرب في عام 1967م، وهي الحرب التي لم ينصت المسؤولون عنها إلى صوت الخبير المخلص اللواء محمود شيت خطاب قبيل وقوعها حتى يتفادوا تلك الهزيمة، ولا تأمَّلوا ما كتبه عنها بعد انتهائها؛ ليدركوا ما كان لديهم من نقط ضعف وما كان أكثرها!

ومع أن تجلي قوة إرادة قادة العرب في مؤتمر الخرطوم كان باعث أمل عضده نشاط مقاومة فلسطينية كانت بدايتها صائبة من علامات صوابها تنسيقها مع الجيش الأردني في معركة الكرامة، إلا أن الأمل سرعان ما بدأ يتلاشى عندما ارتكبت فصائل المقاومة الفلسطينية أخطاء كبيرة من أخطرها ممارستها أموراً هي من صميم مهمات الدولة الأردنية. فكان أن حدث الصدام الدامي بين تلك الفصائل وأجهزة هذه الدولة الأمنية والدفاعية.

وما ازدادت نذر عدم التفاؤل مع مرور الأيام إلا قوة وضوحاً. فكانت نهاية حرب 1973م، التي بدأت بانتصار عظيم، نهاية مذلة قادت في نهاية المطاف إلى نجاح الصهاينة نجاحاً قال عنه كبار زعمائهم، إنه يضاهي قيام كيانهم؛ وهو خروج مصر بكل إمكاناتها العظيمة، أو إخراجها، من ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني؛ وذلك باتفاقية كامب ديفيد عام 1979م. وكان من نتائج تلك الاتفاقية أن تجرأ الصهاينة على غزو لبنان عام 1982م، وشهد الجميع ما ارتكب من مجازر شنيعة، ثم خروج قوات الفلسطينيين من لبنان.

على أن ما ارتكبه صدام حسين من عدوان إجرامي أحمق ضد الكويت أدى إلى إضعاف العرب-وبينهم الفلسطينيون- أكثر فأكثر بحيث لم يكن أمامهم إلا المشاركة في مؤتمر مدريد، الذي اقتنعوا فيه بانسحاب الصهاينة من الأراضي التي احتلوها عام 1967م فحسب بدلاً من المطلبة بتحرير ما احتلوه قبل ذلك العام. وبعد ذلك جاءت اتفاقية أوسلو خنجرا في صدر أي مقاومة.

وها هم الفلسطينيون لا يطالبون إلا الحصول على ما بقي من أرض فلسطين، وهو القليل، بل أن منهم من ليس لديهم مانع في أن يكتفوا بأن يعود قسم من اللاجئين الفلسطينيين، لا كلهم، إلى فلسطين.

وهكذا تحولت منظمة التحرير من منظمة تطالب بتحرير الأرض الفلسطينية بكاملها إلى جماعة ترضى بما رضيت به أم المجالس وهو الرضى من اللحم بعظم الرقبة.

لا أدري من سيكون منا حياً ليشهد كتابة تاريخ ضياع فلسطين. ألا لله الأمر من قبل ومن بعد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد