ينوي أحدهم السفر جواً؛ فيشقى بالبحث عن (أحد) يشفع له للحجز لدى ناقل جوي، خاصة في زمن المواسم!
وقد يتطلب سفر هذا (الأحد) إحراز تأشيرة دخول للبلد المراد بالسفر؛ فيشقى من جديد بحثاً عن (أحد) يمدّ له (جسر شفاعة) إلى سفارة أو قنصلية هذا البلد أو ذاك. أما إذا كان البلد المعني من (البلدان الصعبة) دخولاً إليها وخروجاً منها فإن الشفاعة لإحراز التأشيرة تعظم بعظم (الشقاء) المصاحب لها!
ويكتشف هذا (الأحد) أن جوازه قد انتهت صلاحيته؛ فيسلك درب البحث عن (شفاعة أحد) لتجديد صلاحية الجواز!
تلك كانت أمثلة حية نعيشها أو نسمع عنها.. وقسْ عليها مواقف أخرى، كالبحث عن مقعد في جامعة لمن يستصعب السهل عجزاً، أو يستسهل الصعب طمعاً في اختراق الأسوار في يسر لا يتاح لسواه ممن لا (شفاعة) تسنده..! ومثل ذلك (ماراثون) البحث عن (وظيفة) بعد التخرج.. وفي سبيلها تطرق الأبواب، و(تنخى) الهمم، وتشحذ الذمم!
تنتظم هذه المواقف مجتمعة تحت مظلة السؤال الشعبي الشهير: (تعرف أحد؟)، والأصل عند كثير من بيروقراطيات الدول المتطورة أن ترتيب المصالح العامة وتقنينها أمر يخضع لقواعد وضوابط وإجراءات تكيفها سلطة النظام وتظللها هيبته، ويرعاها حضوره، تأسيساً وتطبيقاً وتقويماً، وحين تطرأ لأحد من أولئك البشر الرغبة في إنجاز مصلحة من المصالح يسأل أو يبحث عن الإطار النظامي المقنن لتلك المصلحة، بغض النظر عن هوية المطبق لها فرداً كان أو جماعة.
وليس من العسير عليه معرفة تلك الأطر والإجراءات؛ فقد لا تتجاوز مسافة الإنجاز بضع دقائق تستغرقها محادثة هاتفية يعرف من خلالها كل شيء، وآية ذلك أن تأمين الخدمة الهاتفية في أغلب مناطق العالم المتطور لا يستغرق سوى يوم أو بضع ساعات، وقد يكون إنجاز مصلحة أخرى من بين الأمور التي يمكن تحقيقها عبر البريد دون مشقة أو عناء كتجديد الجواز أو رخصة القيادة أو بطاقة الائتمان.. ونحو ذلك.
وبعد..
فتلك ظاهرة اجتماعية وسلوكية خطيرة أتمنى أن يهتم بها أكاديميو الإدارة ومحترفوها تشخيصاً وعلاجاً، وهي في أدق خصوصيتها تعتمد على أسباب عدة، منها ما يأتي:
(أ) غموض وتعدد بعض القواعد والإجراءات المقننة لمصالح الناس؛ ما يجعل بعضهم يوظف مقولة (تعرف أحد؟)؛ تذليلاً لتلك القواعد والإجراءات!
(ب) تناقض المواقف لدى بعض الناس حول مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات:
(1) فهم من جهة يرغبون (في) المساواة فيما لهم من حقوق أسوة بغيرهم، ويستفز مشاعرهم غيظاً الاستثناء من ذلك!
(2) لكنهم في الوقت نفسه يرغبون (عن) المساواة فيما عليهم من واجبات ويلتمسون الاستثناء منها إلى درجة قد تؤذي مشاعر غيرهم من الناس، ويسوغون لذلك ألواناً من القول!
وأخيراً، أتساءل: متى نبلغ مستوى من عقلانية الفَهْم، وسمو الثقافة وحضارية السلوك.. فندخل البيوت من أبوابها لقضاء شأن من شؤوننا.. ونلتزم بما هو مقرر من قواعد وضوابط وإجراءات تحكم هذه المصلحة أو تلك؟! بدلاً من شحذ الذهن وإرهاق النفس بحثاً عن (أحد) نعرفه أو نعرّف به أو لديه، يفتح لنا باباً خلفياً أو ممراً جانبياً أو ثغرة فوق السطوح؟!
متى يحين اليوم الذي نتعامل فيه نحن معشر البيروقراطيين مع كل الناس بشفافية وصدق وعدل.. نتلمس شكواهم باهتمام، ونلتمس لها الحلول بعدل؛ وقاية لهم من الكبد وردعاً لسلبيات (الحلول البديلة) عبر المسالك الخلفية؟!