Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/01/2010 G Issue 13638
السبت 15 صفر 1431   العدد  13638
 
وترجل الرمز الكبير..
تركي بن سليمان الخليوي

 

هو الموت قضاء وقدر، ولا راد لقضائه، كما لا حيلة لنا إلا الإيمان به وبأنه حق {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}. و{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، ولكن البشر الذين خطفتهم يد المنون يختلفون فمنهم القريب الذي قد لا تتحرك عواطفك تجاه وفاته سوى بالدعاء له كواجب سماوي، ومنهم البعيد عنك قرابة أو نسباً ويحزنك فقده كما لو كان الأقرب وما الفرق بينهما إلا عملاً وسلوكاً في حياتهم جعل حجم ردة الفعل

للقضاء والقدر تختلف بنوع وحجم هذا العمل وذاك السلوك. والمرحوم العم صالح بن مطلق الحناكي يحمل كل الصفات والأسباب التي تجعلنا نحزن لوفاته حزناً يدعونا للدعاء له، فهو الوالد والعم والناصح والوجيه والقريب ورجل الخير والكريم الودود والمسالم المحب لبلده ومدينته وللناس أيا كانت مشاربهم.. رجل يتجلى فيه الوقار كأبهى ما يكون ويتجلى به الخلق الكريم كأجمل ما يكون، لا يتصنع تواضعاً ولا يجاهد نفسه على الكرم بس هو فيه طبعاً وطوعاً، فرغم سنه المتقدم إلا أنه لا يمكن أن تسلم عليه إلا ويقوم واقفاً مهما كان سن الآخر، ولا يمكن أن تزوره إلا ويحادثك بود وبشاشة عن نفسك وأقاربك ويبادر بالحديث معك عن بعض المواقف أو القصص التي يعرفها أو جمعته مع أحدٍ من أقاربك، تشعر وأنت في مجلسه بأنك ضيف الشرف، كرمه لا حدود له، مجلسه اليومي عامر بالمرتادين حباً لا رياءً ولا مجاملةً كما هو خليط (أي مجلسه) من الوجهاء والبسطاء والشباب.. رمضانه منذ عقود يصومه في بيت الله الحرام عبادةً وزكاة وصدقة، ينفق بسخاء الراحل وبلا حدود وهذا من شكر الله على ما أنعم به عليه وقليل من الناس الشاكر قولاً وعملاً.

سخياً إذا ضن البخيل بماله

بذلت من الوجدان ما يخجل الندى

تحس وأنت في مجلسه بأنه يقدم دروساً مجانية لهؤلاء الذين أطغاهم المال أو أدخل الكبر إلى قلوبهم منصب مؤقت أو تجارة زائفة لا يعلم كيف ومن أين جاءت، أو معتقدات زائفة ترسخت في العقول كنتاج ثقافة منتنة، بينما العم صالح بن مطلق الحناكي رحمه الله تتجلى فيه الإنسانية بأسمى معانيها, وأنا (كغيري) ممن يخجلون عند زيارته ولكنني أظل مزهواً بزيارتي له جراء ما يقابلني به من ترحاب وبشاشة ودعوة للجلوس بجانبه والسؤال عن إخواني وأخواتي ويتبعه بإلحاح لمشاركته الغداء أو العشاء، تخرج الكلمات من فيه صادقة لا تكلف فيها، يذكر الله مع كل عبارة ويحمده مع كل جملة أو مقولة، يستمع إليك وكأنه تلميذ في مدرستك، لا يقاطعك ولا يحاججك، ابتسامته عندما تروي قصة طريفة أو بيت من الشعر تنم عن أريحية تلقائية تجعلك تحس بنشوة وفخر، وأنت تدفع هذه القامة إلى الاستماع إليك فكيف بالابتسام لحديثك، رحمك الله يا أبا مطلق، فالرس فقدت بموتك أبرز رجالاتها على مر تاريخه كنت رحمك الله الغيور على بلدك المحب لناسه الساعي لخدمتهم والراكض لمساعدتهم، أعمالك الخيرية لا حدود لها ويشهد بها القاصي والداني، غطت شهرتك وسمعتك العطرة الآفاق وصار يعرفك الجميع رمزاً للخير والكرم وعلماً من أعلام محافظة الرس ومنطقة القصيم، قليل مثلك يحمل بين طياته قلباً ورعاً ومحباً وغنياً ومتواضعاً وتقياً، قليل مثلك يا أبا مطلق يسعى لخير بلدته وجماعته دون مصلحة يرتجيها لنفسه أو عائلته، قليل مثلك يا أبا مطلق من يفعل الخير بهذا السخاء دون منة أو إعلان أو وجاهة زائفة.

فوا لهفي أن تأخذ الأرض أروعاً

وتبقى عليها زائفين وأعبدا

الرس ونحن (أهالي الرس) في كافة مدن المملكة نبكيك ونودعك وقلوبنا تقطر حزنا لفقدك ولكننا لا نقول إلا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وإنا لفراقك يا والد الجميع لمحزونون، نسأله أن يتغمدك بواسع رحمته وينزلك في عليين ووالدينا والمسلمين.. والله المستعان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد