Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
دفق قلم
الجناية على لغتنا في الكتب المترجمة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

آلاف الكتب المترجمة في علوم شتى تنتشر بين الناس في عالمنا العربي وتجد من الرواج - بحسب موضوعاتها - ما جعلها تنافس كثيراً من الكتب العربية، الأمر الذي جعل بعض دور النشر العربية تعنى بتلك الكتب المترجمة عناية خاصة، طباعة وإخراجاً ودعاية وإعلاناً تفوق عنايتها بالكتب العربية أضعافاً مضاعفة.

ولعل التميُّز في طرح التجارب الشخصية، وشرح المواقف، وتلخيص أسباب النجاح أو الفشل في مجالات الحياة المختلفة، هو الذي جعل تلك الكتب المترجمة تحظى باهتمام كبير بين القراء، خاصة في مجال تطوير الذات، وتنمية القدرات البشرية، والتخصُّصات الإدارية والقيادية التي يحتاج إليها المسؤولون في القطاعات الخاصة والعامة.

ونحن نرِّحب بكلِّ مفيد مهما كان مصدره، ولا نجد غضاضة في أن نستفيد من تجارب الآخرين مهما كانت جوانب الاختلاف بيننا وبينهم، فرؤيتنا الإسلامية تتسع للكون كلّه، والحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحقُّ بها، ولا ننكر أننا قد أفدنا من تجارب الغرب في المجالات العملية التنفيذية قيادياً، وإدارياً، وتجارياً فائدة كبيرة ظهر أثرها في تطوير الجوانب الإدارية والتجارية، والتسويقية في عالمنا العربي.

نعم نحن نرحِّب بكل جديد مفيد، ونعترف لأصحابه بالفضل، ونشكرهم على سبقهم وريادتهم، ولكننا نضع ذلك في إطاره الصحيح الذي لا يتناقض مع ديننا ومبادئنا وثوابت أمتنا وأخلاق مجتمعنا.

ولا نعني بهذا الحديث الإيجابي عن تلك الترجمات الإشارة إلى الرضا الكامل عنها، ففي كثير من المترجم غثٌّ لا فائدة فيه، وأخطاء عملية تنفيذية لا تخفى على المتابع الحصيف، ومبالغات في الحديث عن النتائج لا يتقبَّلها العقل البشري الناضج، ومن أهم السلبيات في ذلك المترجم المنطلقات العقدية الفاسدة، والأفكار المنحرفة التي تنبثق من معتقدات غير صحيحة، وهذا أيضاً لا يخفى على أهل الفطنة والرأي وإن كانت المشكلة تكمن - أحياناً - في دور النشر العربية التي تترجم الجيد والرديء طلباً للربح وانسياقاً وراء رغبة القرَّاء المأخوذين بما عند الأمم الأخرى من بريق وإبهار، وإذا ترجمت الأعمال ذات المضامين الجيدة وقعت في مستويات أسلوبية ولغوية متدنية، وأساءت إلى بيان اللغة العربية وبلاغتها، ونحوها وصرفها إساءة لا تحتمل.

إن كثيراً من الكتب المترجمة إلى اللغة العربية من لغات أخرى تحتاج إلى مراجعات حقيقية لأساليبها ومفرداتها لما فيها من تكريسٍ للضعف اللغوي الذي يعاني منه أبناء اللسان العربي في هذا الزمان:

تأملوا معي هذا النص من كتاب ترجمته دار نشر عربية، يقول:

(بينما يتم اعتبار الحيرة هنا في الغرب أمراً سيئاً ففي الشرق ربما ليس الأمر كذلك حينما يكون الشرق يحترم الحيرة باعتبارها بوابة التحول والتغيير، من الجيد أن تكون متحيراً، هذا يعني أن أفكارك القديمة يتم تحديها وأنه تم خلق مساحة لتكوين أفكار جديدة تمسك بها، وبمجرد انتهائك من هذا الكتاب لن تمتلك فقط وضوحاً أكثر، بل ستجرب حرية وسعادة ورخاء أكثر من ذي قبل).

نصٌّ يدلُّ على عدم المعرفة بتسلسل الكلمات والجمل، وتناسقها مع المعنى، وانسجامها مع السياق، وهذا من النصوص الجيدة إذا ما قيس بنصوص أخرى أكثر اضطراباً وخللاً.

نحن لا نطالب دور النشر المعنيّة بترجمة الكتب من اللغات الأخرى بما لا طاقة لهم به، وإنما نطالبهم بعدم (الاسترخاص) في المترجمين، وببذل جهدٍ في مجال الكتابة الصحيحة يساوي جهدهم المبذول في مجال الطباعة والإخراج، والدعاية والإعلان.

وهنالك جانب أهم يتعلق بدور هذه الدور في المحافظة على ثوابتنا من خلال (الترجمة)، فلا يترجمون من الكلمات والعبارات ما يتضمن كفراً صريحاً أو انحرافاً فكرياً أو سلوكياً أو أخلاقياً، لأن هذا حق من حقوق أجيالنا علينا، ولا حجَّة لمن يتحدَّث عن أمانة النقل هنا، فالمترجم المقتدر يستطيع أن ينقل إلينا الفائدة الاقتصادية أو الإدارية أو التقنية دون الوقوع فيما يقع فيه المؤلِّفون الغربيون من الضلال والكفر والانحراف.

وأضرب مثلاً بهذا العنوان: (أستطيع أن أجعلك غنياً) وهو عنوان كتاب في مجال التجارة وطرق الكسب المادي والنجاح التجاري عنوان تتضح لنا معارضته للرؤية الصحيحة في مسألة الرزق شرعاً وعقلاً وعرفاً، فما من أحدٍ غير الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يجعل إنساناً غنياً، فكان الأولى بالمترجم أن يضع عنواناً ينسجم مع الحق بصفة عامة، ومع الشرع الإسلامي بصفة خاصة، بعيداً عن هذه العبارة المستفزّة، المجانبة للصواب التي لا تتفق مع ما يؤمن به القارئ العربي المسلم.

إشارة

الترجمة مسؤولية وأمانة وعمل حضاري لا يحتمل الإهمال.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد