Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
شذرات اقتصادية
كيف يمكن أن تكون جدة غير؟
د. عبد العزيز إسماعيل داغستاني

 

كنت في الأسبوع الماضي في زيارة قصيرة إلى محافظة جدة، والتي يصفها بعض الحالمين بأنها عروس البحر الأحمر. وحرصت خلال هذه الزيارة أن أتجول في بعض الأماكن التي يفترض أن تكون في الجزء الأرقى من هذه المدينة. بمعنى أنني لم أذهب إلى جنوبها، أو إلى المناطق التي تأثرت بسيل الأربعاء الشهير، وهي المناطق التي تسمى بالعشوائية، أو هي تلك الأقل حظاً أو اهتماماً. ولهذا فإنني لن أتحدث عن تداعيات سيل الأربعاء، فنحن جميعاً ننتظر قرارات لجنة التحقيق في تلك المأساة. ولن أتحدث عن المناطق الشعبية في تلك المدينة، ولن أتحدث عدم وجود نظام للصرف الصحي أو لتصريف السيول. إنني أتحدث عن تشوهات حقيقية في المناطق الأكثر رقياً في هذه المدينة. أتحدث عن وسط المدينة، أو ما يسمى بالمنطقة التاريخية، والتي تزورها وفود رسمية على مستوى عالٍ للإطلاع على التاريخ العمراني لهذه المدينة القديمة يمتد لسنوات طويلة، طويلة جداً. وأتحدث عن الكورنيش الشمالي، وشمال جدة عموماً. ما شاهدته شيء مؤسف حقاً. شيء مؤلم بمعنى الكلمة. ولعلي أعطي نماذجاً للدلالة عما أتحدث. في المنطقة التاريخية، جلست في مقهى شعبي (قهوة) يطل على ميدان البيعة، وبجواره مجسم لإحدى بوابات جدة القديمة. من الصعب جداً أن تتخيل حجم الإهمال في هذه المنطقة، وحجم اللامبالاة، ودرجة القذارة التي تشاهدها في هذا المكان، الذي يفترض أن يكون أحد معالم هذه المحافظة. الأوساخ في كل مكان، والأتربة في كل مكان، والأرصفة المكسرة في كل جانب. هل هذا معقول؟ هل هذا مقبول؟ ونتجه من المنطقة التاريخية إلى شمال جدة. تمر بطريق المدينة الطالع، وتصل إلى كوبري فلسطين. حاول أن تعمل (يوتيرن) قبل هذا الكوبري مباشرة، وتعود إلى طريق المدينة النازل. ستمر بأرصفة مكسرة لا يمكن أن تتصورها في هذه المنطقة. تعود وتتساءل هل هذا معقول؟ هل هذا مقبول؟ وفي هذا الجزء من المدينة؟ تعود بعد ذلك إلى اتجاه الشمال، وتتجه إلى الكورنيش الشمالي، وتتوقف عند بدايته من ناحية مطعم (البيك) إلى نهاية مجموعة المطاعم. تصور درجة القذارة في هذه المنطقة والأرصفة المكسرة. منظر لا يليق إطلاقاً، هذه مجرد نماذج للدلالة على ما أقول، وهناك أكثر، ومنها شارع فلسطين من اتجاه البحر إلى منطقة كوبري فلسطين وتقاطعه مع طريق المدينة النازل على اليمين. إهمال واضح لا يمكن أن تغفله العين الواعية. هذا غيض من فيض، وكأن حال جدة يقول (الزين ما يكمل) إذا كان هذا ينطبق أصلاً على حال جدة، وأنا أشك في ذلك. لماذا يحصل هذا في هذه المدينة؟ هذا إهمال واضح من أمانة محافظة جدة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبول أي عذر منها لتبرير هذا الإهمال أو محاولة الالتفاف عليه. وهنا أقول إن الأمانة إذا تذرعت بقلة أو عدم وجود مبالغ معتمدة لتحسين وتنظيف شوارعها أو تطويرها، فهذا غير مقبول. هذه اللمسات لا تحتاج إلى مبالغ مالية طائلة ولكنها تتطلب رغبة صادقة من قبل المسئولين في الأمانة في العمل الجاد وفي تحسين منظر وصورة عروس البحر الأحمر. ولنفترض جدلاً أن أمانة محافظة جدة هي فعلاً مكبلة بسبب ضعف إمكاناتها المادية والبشرية، ألا يمكن لكبار المسئولين فيها مخاطبة، والضغط على أصحاب المباني والمحلات التي تقع في هذه المناطق للمشاركة في تحسين وتنظيف وتطوير الأرصفة المحيطة بها؟ أليست هناك مسئولية اجتماعية على هؤلاء الذين يحققون إرباحاً طائلة من أعمالهم في هذه المناطق الإستراتيجية من المدينة؟ المسألة تحتاج إلى «مصع أذن» لهؤلاء وإرغامهم وإجبارهم على المشاركة في تخفيف هموم هذه المدينة، وساكنيها، والإسهام الفعلي في تحسين صورتها. أن تحمِل مسئولية العمل في الأمانة يعني أنَّ على المسئول أن يعمل كل ما يمكنه لتحقيق آمال وتطلعات أهل جدة وزوارها حتى تكون جدة غير. لا يمكن لأي مسئول في أمانة محافظة جدة أن يتنصل من المسئولية. ولا يمكن أن يظل وضع جدة كما هو عليه الآن.

صحيح أن جدة تحتاج إلى مشروعات عملاقة لتصحيح أوضاعها، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى رتوش لإصلاح منظرها وواجهتها. وإذا أهملنا، أو قبلنا بهذه الأمور التي قد تبدو بسيطة، فستظل جدة تراوح مكانها، وسنظل نسمع أسطوانة ضعف الإمكانات البشرية وقلة المخصصات المالية، وهي أسطوانة مشروخة، ولا يفترض أن يرددها مسئولون تحملوا أمانة هذه الأمانة، وعليهم أن يتحملوا هذا النقد الصادق، ويغيروا من نظرتهم إلى طبيعة العمل في مثل هذه الأعمال، التي تتطلب درجة عالية من الاهتمام ودرجة عالية من الذوق العام حتى تظهر جدة كما ينبغي. ولا أعتقد أن المسئولين في أمانة جدة، والمسئولين الكبار فيها على وجه الخصوص، يمكن أن تغيب عنهم أمثال هذه النماذج التي قدمتها عن تردي أوضاع جدة. الذي أعرفه أنك إذا لم تستطع أن تتحمل الأمانة أتركها لغيرك. جدة تحتاج إلى أمانة فاعلة قوية تمتلك قدراً عالياً على الإبداع يتجاوز العمل التقليدي. بالإبداع والإخلاص والتفاني في العمل وشحذ همم أهل جدة، والقادرين منهم على وجه الخصوص، وإجبارهم على ذلك إذا تطلب الأمر، يمكن أن تكون جدة غير. والآن يجب أن تكون جدة غير.. لا عذر بعد الآن.

رئيس (دار الدراسات الاقتصادية)
رئيس تحرير مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد