Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
إيران: جمهورية الخوف
مهدي خلاجي(*)

 

واشنطن - إن نظام رجال الدين (الملالي) في إيران يحكم بالاستعانة بصيغة بسيطة: الفوز للأقدر على إثارة أعظم قدر من الخوف. إن «تحقيق النصر ببث الخوف» عبارة مجازية كثيراً ما نسمعها في العديد من خطب المرشد علي خامنئي. والواقع أن هذه العبارة تشكل دليلا موثوقا به إلى التعرف على فلسفته السياسية.

بيد أن زرع الخوف في نفوس الآخرين يجعل المرء ذاته أكثر عُرضة للخوف، وليس هناك ما هو أكثر إثارة للخوف في نظر خامنئي وقادة طهران من الديناميكية الاجتماعية التي أطلقتها الحركة الديمقراطية التي تختمر في البلاد.

ويبدو أن النظام مقتنع بأن احتمالات وقوع هجوم عسكري على برنامجه النووي ضئيلة.

ولا يعتقد النظام أن العقوبات قادرة على التسبب في انهياره. وعلى هذا فإن القوى الخارجية لا تبدو وكأنها تشكل تهديداً كبيراً.

إن ما يزعزع أركان الحكم، بل ويهدد وجود الإيديولوجية الإسلامية الحاكمة ذاتها، يتلخص في الضغوط التي يفرضها الشعب الإيراني من أجل الحصول على الحقوق الإنسانية والسياسية.

ولقد أعرب حسين صفر هرندي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الأسبق عن هذه المخاوف حين قال «إن المواطنين الذين يريدون أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب يشكلون جزءاً من الحرب الناعمة ضد الجمهورية الإسلامية».

كان نظام طهران طيلة ثلاثين عاماً يعتمد على اليد الثقيلة لجهاز الأمن الداخلي في إخراس أصوات المعارضين والمنتقدين. والخوف يشكل حجر الزاوية في بناء الجمهورية الإيرانية.

ولكن منذ الأزمة التي أعقبت الانتخابات الإيرانية في شهر يونيو-حزيران نَفَض الناس الخوف عن أنفسهم وأصبحوا هم من يخيفون الحكومة. إن خامنئي يخشى هذه الطفرة الاجتماعية إلى درجة مذهلة. فهو يخشى العلوم الإنسانية، والكتب، والفنون، والجامعات، وأقمار البث الفضائي، والإنترنت، بل وحتى الهواتف النقالة. وهو يرى أن الدولة لابد وأن تفرض سيطرتها على قدرة العامة على الوصول إلى الثقافة العالمية والتكنولوجيا. وإن لم يحدث ذلك فإن هذه القوى من شأنها أن تعمل على تقويض أركان الدولة.

إن خامنئي خلافاً لمؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني يفتقر إلى الجاذبية الشعبية والعِلم الغزير. والواقع أن شرعيته السياسية وسلطته الدينية محل تساؤل عميق، كما أدى العنف في الشوارع والوحشية في السجون أثناء الأشهر الأخيرة إلى تقويض سلطته وزعزعة قاعدته الاجتماعية. وباعتماده المتزايد على الحرس الثوري باعتباره الحصن الذي يحمي نظامه، فقد بنى خامنئي حاجزاً بينه وبين أي احتمال للتسوية.

إن السياسة الخارجية التي ينتهجها خامنئي الآن أصبحت خاضعة تماماً للكيفية التي قد يتطور عليها الموقف الداخلي في إيران. وكما أظهرت الأشهر الأخيرة، فمن غير المرجح أن يفكر خامنئي في التسوية مع الغرب إلا إذا خسر يقينه بأن كل شيء تحت السيطرة داخلياً.

والأمر أشبه بالأرجوحة: حيث يعمل ضعف خامنئي داخلياً على تغيير موازين السياسة الخارجية الإيرانية. وعلى هذا ففي مستهل الأمر، وبسبب خوفه من العواقب التي قد تترتب على أزمة ما بعد الانتخابات، تَقَبَل النظام اقتراح الأول من أكتوبر/تشرين الأول في جنيف، والذي كان من شأنه أن يسمح بتخصيب اليورانيوم الإيراني تحت سيطرة الهيئات الإشرافية الدولية خارج البلاد.

وفي شهر نوفمبر-تشرين الثاني، وحين تصورت الحكومة أن الوحشية في الشوارع كانت كافية لترهيب حركة الاحتجاج، فقد تراجع المسؤولون الإيرانيون عن هذه التسوية.

وبهذا المعنى فقد يكون بوسعنا أن ننظر إلى الشعب الإيراني باعتباره حليفاً استراتيجياً للغرب، في مواجهته لنظام طهران في الملف النووي. لأن احتجاجاته المستمرة تقدم للغرب الحجة الأكثر فعالية للتصدي للبرنامج النووي.

إن هذا النظام غير قادر على البقاء على الأمد البعيد في وجود مثل هذه الأزمة السياسية التي يواجهها الآن. والواقع أن حملات القمع المستمرة من شأنها أن تسفر عن نشوء دكتاتورية عسكرية، في حين قد تؤدي التسوية مع حركة الاحتجاج إلى إنتاج حكومة توافقية شبه ديمقراطية. ولكن الحركة الديمقراطية لن تموت في كل الأحوال. بل إن هذه الحركة سوف تعاود الظهور بشكل مستمر، وذلك على الرغم من القمع الشديد على فترات قصيرة من الزمن، والذي قد يفرز ذلك النوع من التحديات التي تفرض تهديداً لوجود أي حكومة غير ديمقراطية.

إن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية في إيران ليس مجرد مسألة أخلاقية، بل لابد وأن يشكل هذا الأمر أولوية إستراتيجية بالنسبة للغرب. ولا شك أن تمكين الشعب الإيراني يعني إضعاف خامنئي وحلفائه العسكريين. ومن المؤكد أن خامنئي الأكثر ضعفاً سوف يكون أكثر ميلاً إلى التنازل على جبهة الملف النووي.

(*) مهدي خلاجي - دَرَس طيلة أربعة عشر عاماً في الحوزات العلمية في مدينة قُم في إيران.
خاص (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد