Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
اختراعات ميتة
د. محمد أبو حمرا

 

لاتحيا الأمم ولا تنهض ما لم يكن هناك وهج متميز من العقول التي لها ومضات تتألق، والعقل مثل الذهب يصدأ، لكنه ما زال يحفظ قيمته مهما تقادم به الزمن، إلا أن العقل (قد) يصيبه داء الزهايمر ثم يحسب حساب الميت الفاني.

وكثيرة هي العقول العربية التي لها ومضات فكر وتجل وإبداع، لكنها تجد لجاما من الحياة يجعلها تمضغ اللجام فلا تستطيع الانعتاق منه، لأنه قوي وخازم لها، لذلك يختار أغلبها الهرب خارج أقواس الوطن العربي، لكنه يجد نفسه إنساناً له قيمة العقل والجسم والرغبة في الارتقاء بفكره، ومنهم المخترعون، أو المغرمون بأن يكون لهم اختراعات تجسد بقاء أسمائهم في الحياة بعد موتهم.

نجد في عالمنا العربي أن المخترع يصارع وحده دون دعم أو مساندة، بالرغم من وجود مدن مهمتها مساعدة أصحاب المواهب ودعمهم وتشجيعهم لإنتاجية فكرية تخدم الأمم، لكن أغلب المخترعين يصرفون ما ملكوا في سبيل إنجاز اختراعاتهم، وإذا ما تم الاختراع وجربه بنجاح، عندها يتم تسجيله في مدينة تقنية وتكنولوجية ويأخذ ورقة مكتوبا عليها (براءة اختراع) ويضعها في جيبه، بيد أن اختراعه يموت قبل أن يموت هو، لأنه يبقى رهين أضابير البيروقراطية العربية التي تنسى عشاءها البارحة عند طول الفجر!!

مخترع عربي صارع من أجل أن يجرّب اختراعه، تسوّل عند أبواب المعنيين بهموم المخترعين ولكن دون جدوى، باع سيارته وباع ما يملك لتحسين جودة مخترعه، وأخيراً سافر لبلد غربي ليجد الدعم والمساندة له، وليس حباً له، لكن حباً لشيء سيكون في خدمة الناس والحياة وله موارد مالية ضخمة عند تعميمه، استمر حتى أتقن اختراعه، وذلك بتمويل من شركة كبرى، ولما انتهى أعطوه مبلغاً أقل ما يقال عنه (انه مغر) ولكنه لا يريد إلا أن يكون المخترع باسمه هو، وأخيراً اضطر للقبول وباع مخترعه لتصنعه الشركة باسمها وتجني المليارات منه.

مخترع من الشباب العربي رأي أهمية الماء، وأن أغلب الأراضي العربية صحراوية، فحاول اختراع جهاز يحدد وجود الماء وبعده عن سطح الأرض والكمية التي ستكون من حفر البئر، وكذا عرف المسافة التي يجب أن تحفر بالمتر والسنتيمتر، فعرض مخترعه على عدة هيئات وشركات، كان آخرها شركة كانت تشتري الماء لمصنعها بمبلغ ستين ألف دولار سنوياً، فقام بتجربة اختراعه لهم وفي أرض يملكونها، وحدد طول البئر وكمية الماء المتوقع، وفعلاً استخرج لهم الماء من زاوية ضيقة في أرضهم، وصاروا يوفرون سنوياً ثلثي المبلغ المصروف لشراء الماء، وأخيراً لم يجد من ينتج مخترعه، فتوجه لبلد غير عربي طبعاً، وسوف يأتي الجهاز العربي باسم الشركة لتبيعه على أصحاب الصحارى الذين سيشترونه بأضعاف قيمته فيما لو أنتجوه!!

استغرب: كيف تموت الاختراعات العربية عندنا، بالرغم من تلقف غيرنا لها وبعث الحياة فيها؟

أين المدن الصناعية ومدن التقنية والتكنولوجيا عن مخترعات شبابنا العربي؟

لا بد أن يكون هناك حراك في تكوين فريق عمل مهمته رعاية الاختراعات وعرضها على الشركات المنتجة، بدلا من ضبطها بشهادة براءة ثم تموت.

وكثيراً ما سمعنا عن اختراعات شباب سعودي، ومثله قرأنا في صحفنا عن مخترعاتهم، لكن بعد شهور تموت الفكرة وسيموت الاختراع والمخترع معاً.. شيء يؤسف له حقاً.

فاكس 2372911


abo_hamra@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد