Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/01/2010 G Issue 13628
الاربعاء 05 صفر 1431   العدد  13628
 
الزلازل وآثارها المدمرة.. نظرة عبر التاريخ
د. محمد بن عبدالله الشويعر

 

لم يكن يوم الأربعاء الماضي يوماً هادئاً على سكان هايتي، إذ تعرضت لأكبر كارثة طبيعية في العام الجديد، حيث ضرب الزلزال دولة هايتي الصغيرة ودمر أغلب منازل العاصمة بور أو برنس.

وهايتي التي تبلغ مساحتها أكثر من 27 ألف كم2 تقع بين الأمريكيتين إذ يحدها من الغرب البحر الكاريبي ومن الشرق جمهورية الدومنيكان تعرضت لهزة عنيفة بلغت قوته 7.3 درجات على مقياس ريختر، حيث كانت حصيلة هذا الزلزال حسب الإحصائيات الأخيرة ما بين 50 إلى 100 ألف قتيل ويتوقع أن يصل الرقم إلى 200 ألف قتيل، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين من المشردين الذين أصبحوا بلا مأوى، وذكرت وسائل الإعلام أن معظم سكان هايتي ناموا في العراء والمتنزهات والشوارع خوفا من توابع الزلزال المدمر.

والزلازل كما جاء في معجم الوسيط: « زلزله زلزلة وزلزالا: هزه وحركه حركة شديدة، وتزلزل: اضطرب بالزلزلة، والزلزال: هزة أرضية طبيعية تنشأ تحت سطح الأرض».

ويذكر السيوطي في كتابه «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» التفسير العلمي للزلازل إنما يكون « كثرة الأبخرة الناشئة عن تأثير الشمس، واجتماعها تحت الأرض، بحيث لا تقاومها برودة حتى تصير ماء، ولا تتحلل بأدنى حرارة لكثرتها، ويكون وجه الأرض صلباً بحيث لا تنفذ البخارات منها، فإذا صعدت ولم تجد منفذاً، اهتزت منها الأرض واضطربت».

وهناك العديد من التفسيرات العلمية الحديثة لظاهرة الزلازل حيث تقول إحداها: توجد في باطن الأرض وعلى سطحها تحركات كثيرة، وهذه التحركات تولد قوة أو ضغطاً على الصخور الموجودة ضمن مجال هذه التحركات، وتبدأ عندئذ بالانكسار والتشقق، وتسمى هذه الانكسارات بالفوالق الأرضية، ونتيجة لسرعة حركة الانكسار، تتحول كمية كبيرة من القوة إلى طاقة حركية على شكل موجات تنتشر في اتجاهات مختلفة من باطن الأرض وعلى سطحها، وتعرف تلك الموجات بالموجات الزلزالية، حيث تُسبب تلك الموجات الدمار والتخريب في المناطق التي تمر من خلالها، وتتفاوت نسبة التدمير على طاقة تلك الموجات الزلزالية، فكلما كانت طاقة الموجات عالية كلما كان الدمار كبيراً.

ونظراً لحدوث الزلازل ما بين فترة وأخرى، فهي لا تعد حدثاً جديداً وغريباً، حيث سبق وأن تعرضت البلاد الإسلامية في العصور السابقة إلى مثل هذه الزلازل واكتوت بنارها.

فقد أصيبت البلاد الإسلامية عبر عصورها بضربات زلزالية تسببت في دمار الكثير من المناطق وأهلكت العديد من السكان و تأثرت أغلب مدن الشام والمغرب واليمن والعراق والحجاز تأثراً كثيراً من حدوث تلك الزلازل ، حيث أعتبرها الأقدمون أنها بلايا من الله تعالى يرسلها عليهم كعلامات لخلقه عندما يبتعدون عن إتباع دينه، وأنها نوع من العقاب للناس، ومن هنا كان الناس يلجئون إلى المساجد عند اشتداد الزلازل يصلون ويبتهلون إلى الله كي يرفع عنهم تلك البلايا والشدائد.

وتذكر المصادر التاريخية أنه في شهر شعبان من سنة 242ه أول ديسمبر 856م، أصيبت منطقة الشرق الأدنى بزلزلة عظيمة، وتأثرت منها تونس واليمن وخراسان والري وجرجان ونيسابور وبلاد الشام، وقد وصفها المؤرخون ب (زلازل منكرة) حيث تسببت تلك الزلازل بتقطع الجبال وتشقق الأرض بقدر ما يدخل الرجل في الشق، ودمرت المنازل وأهلكت السكان.

وفي سنة 245هـ- 859م، ضربت بلاد الشام زلازل مروعة أخربت المدن والقلاع والقناطر، فأصابت دمشق وكثيراً من المدن الشامية وقد هُدم في أنطاكية حوالي 1500 منزل، أما اللاذقية فلم يبق من منازلها إلا اليسير، ومات معظم أهلها تحت الهدم، وقد وصلت أضرار تلك الزلزلة إلى مكة المكرمة حيث غارت مياهها من جراء هذه الزلزلة.

وشهد القرن الخامس الهجري زلازل في فلسطين والحجاز، ففي فلسطين دمرت أغلب مدنها وخاصة الرملة التي خُسفت بأسرها وهلك من أهلها حوالي 25 ألف نسمة، أما الحجاز فأصابت الزلزلة المدينة المنورة فدمرت شرفتين من المسجد النبوي، وزُلزلت كل من: خيبر، وبدر، وينبع، ووادي القرى، وتيما، وتبوك، وتشققت الأرض في تيما وأحدثت تلك الزلازل أضراراً كبيرة في تلك المدن.

وتعد سنة 552 هـ- 1157م، من السنوات التي ضربتها الزلازل بشكل قوي ومدمر وخاصة في بلاد الشام، حيث ضربت أغلب مدن الشام وتهدمت منازله وقلاعه، ومات الكثير من سكانه.

ومن شدة وكثرة القتلى في تلك الزلزلة يُذكرُ أن مُعلماً كان بمدينة حماه يُعلم صبياناً، وحدث له عارض ففارق المجلس الذي يُعلّمُ فيه الصبيان،فحدثت الزلزلة أثناء ذهابه، وسقط المجلس على الصبيان ومات جميعهم، ولما عاد المعلم رأى ما حدث، فجلس عدة أيام أمام المجلس يريد أن يأتي أحداً يسأل عن ابنه فلم يحضر أحداً، بمعنى أن أهالي وذوي هؤلاء الصبيان لقوا حتفهم جميعاً.

وفي هذه الزلزلة أيضاً دب الرعب في سكان بلاد الشام وأجفلوا من منازلهم وذهبوا إلى الأماكن الخالية من البنيان خوفاً على أنفسهم، وباتوا عدة ليالي بالصحراء وبجوار البساتين المجاورة للمدن خوفاً وجزعاً من تتابع ضربات تلك الزلازل.

وحدثت في سنة 565هـ- 1170م، زلزله عظيمة هزت بلاد الشام كافة فتهدمت المنازل والقلاع، وهلك عدد كبير من سكان تلك المدن قدر بثمانين ألف من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال.

وقد تبالغ تلك المصادر في تهويل الأضرار وخاصة في أعداد الوفيات، إلا أن أضرار تلك الزلازل تضلُ مدمرة. هذه بعض الشواهد التاريخية لتلك الزلازل، والتي يمكن الاستفادة في معرفة بعض الزلازل التي تعرضت لها البلدان الإسلامية في تلك الفترة، وتذكر أحوال الأمم السابقة وتقلب الأحوال من الرخاء إلى الضراء، وأختم بالدعاء إلى الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من الزلازل والبراكين والفيضانات والفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب.

والله الموفق.



Mshuwaier@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد