يبدو أن العنف الأسري أصبح ظاهرة لافتة تنخر في نسق حياتنا الاجتماعية التي طالما تغنينا بخصوصيتها وتفردها .. فلا يكاد يمضي كثير وقت حتى تطالعنا الصحف بحوادث مرعبة، يكون ضحيتها الزوجة أو الأطفال أو حتى الآباء. وأستطيع أن أؤكد أن الحالات التي تطل علينا عبر الصحف حالات قليلة ونادرة قياساً بما يحدث في البيوت من حالات عنف ضد المرأة التي تتحملها خشية (الفضيحة) كما تعتقد.. مع أن (الفضيحة) أن تتعرض لكل هذا العنف والإذلال وتظل صامتة مستكينة تلوذ بدموعها وتوسلاتها.
من هنا بات لزاماً علينا أن نواجه هذه الظاهرة ودراسة أسبابها وتقديم الحماية اللازمة لضحايا العنف الأسري، وأظن أنه سيكون للإعلام دور مهم في تنوير الناس بخطورة ذلك، والمساهمة في نشر تلك الحوادث، باعتباره - أي الإعلام - صوت الناس وضميرهم وناقل معاناتهم وآلامهم. كما أن لهيئات المجتمع المدني، ك(حقوق الإنسان)، دوراً مهماً في تبني قضايا ضحايا العنف الأسري، وتوكيل محامين للتقاضي عنهم أمام المحاكم.
لدي اعتقاد راسخ بأن الرجل الذي يتعدى على زوجته وأم أطفاله بالضرب والإهانة، والذي كثيراً ما أفضى إلى كسر الأنف والرأس.. هو رجل غير سويّ (وجبان)؛ فالشجاع لا يضرب المرأة.. بل هناك ميادين أخرى يعرفها.. وهو (لئيم) كما ورد عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «ما أهان النساء إلا لئيم.. وما أكرمهن إلا كريم»، وكثيراً ما أوصانا بالنساء خيراً.. وقال «رفقاً بالقوارير»، وقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».. وأحاديث كثيرة في هذا المجال.
واللافت أن العنف الأسري لم يقتصر على النساء فحسب؛ بل تعداه إلى الأطفال الأبرياء؛ حيث رأينا أطفالاً في عمر الزهور يتعرضون للعنف من الأب أو زوجة الأب (المفترية) يؤدي بهم أحياناً إلى الموت، وأحياناً إلى تشوهات جسدية قد تُشفى في ظاهرها، ولكنها تظل غائرة في أعماق النفس مدى الحياة.
أما قضية قتل الأبناء لآبائهم كما حدث في (القطيف) مثلاً فهذه جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان، ولا يحلها إلا (القصاص العادل) من هذا الابن العاق الذي لم يرحم كِبر والده، أو يتذكر فضله، ووجوب البر به، والإحسان إليه.
أعرف تماماً أن مَنْ يقدم على هذه الجرائم مرضى وغير أسوياء.. ولكنني أعرف أن (المرضى النفسيين) مكانهم (مستشفى المجانين) لا غرف البيوت الآمنة التي تنشد الراحة والسعادة والحياة الهانئة.
أذكر تلك الرسالة الحزينة التي وصلتني قبل شهور، وفيها تذكر صاحبتها أنها تتحمل الكثير من الإهانة والضرب من زوجها من أجل أطفالها، ومن أجل ألا تعود إلى منزل أسرتها «مطلقة»!
قلتُ لها في ردي:
خير لك يا سيدتي أن تكوني (مطلقة) بكرامة.. من أن تكوني زوجة بلا كرامة.
الكرامة قيمة إنسانية رفيعة لا تُشترى (بالفلوس)، ولكنها تؤخذ بالإصرار والتحدي والقوة.. عن طريق مَنْ يمكنه تحقيقها.
لستُ أدري لماذا أشعر في داخلي بأن المرأة التي ترضى بالضرب والإهانة من زوجها امرأة لا تستحق أدنى رحمة.. بل تستحق الضرب فعلاً. على المرأة أن تعرف أن الحياة الحقيقية ليست الاقتران برجل فقط؛ بل هي حياة الكرامة والعزة والسعادة، وخير للمرأة أن تعيش في منزل أسرتها بكرامة واحترام من أن تعيش في قصور (منيفة) بدون كرامة. الحياة بدون كرامة حياة بائسة ومهينة ولا تستحق العيش!!
Al Assery@hotmail.com