قد حرَّم الله القول عليه بغير علم؛ فقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْي بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِه سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ}؛ فجعل الله القول عليه بغير علم فوق مرتبة الشرك لعظم خطره ولما يترتب عليه من المفاسد العظيمة.
وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رُؤساء جهالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.
قال ابن عباس: أتدرون ما ذهاب العلم من الأرض؟ قلنا: لا. قال: أن يذهب العلماء.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار». رواه ابن حبان.
ويقول الإمام أبو حنيفة: من تكلم في شيء من العلم وتقلده، وهو يظن أن الله - عزَّ وجلَّ - لا يسأله عنه: كيف أفتيت في دين الله؟! فقد سَهُلَتْ عليه نفسه ودينه.
وهذا الإمام مالك لم يجلس للفتوى حتى شهد له سبعون من جلة العلماء بأنه أهل لذلك.
وقيل لأبى عبدالله أحمد بن حنبل - رحمه الله -: يا أبا عبدالله كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مئة ألف؟ قال: لا. قيل: مئتا ألف؟ قال: لا. قيل: ثلاث مئة ألف؟ قال: لا. قيل: أربع مئة ألف؟ قال: لا. قيل: خمس مئة ألف؟ قال: أرجو.
وعن سفيان بن عيينة قال: «أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً».
ودخل رجل على ربيعة وهو يبكى، فقال: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، وقال له: أدخلت عليك مصيبة، فقال: لا، ولكن استُفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم.
قال ابن الجوزي معلقاً: هذا قول ربيعة والتابعون متوافرون، فكيف لو عاين زماننا هذا؟ وإنما يتجرأ على الفتوى من ليس بعالم لقلة دينه.
وأقول: فكيف لو عاين ابن الجوزي زماننا هذا؟ فما عساه أن يقول؟ والله المستعان.
فالواجب على أهل العلم أن يبينوا الحق للناس بدليله من الكتاب والسُّنَّة، والواجب على الدعاة وطلبة العلم ألا يتسرعوا في الفتيا؛ لأن على المفتي بغير علم مثل آثام من تبعه؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً». فيا له من خطر عظيم ووعيد شديد يجب أن يستشعره كل مفت أو داع أو كاتب؛ فلا يتكلف علم ما لا يعلم طاعة لله ورسوله واقتداء بالسلف الصالح.
والواجب على المستفتي ألا يسأل إلا من يثق بدينه وعلمه من أهل السنة والجماعة؛ حتى يحتاط لدينه وتبرأ ذمته، أما إذا تكلم في العلم الشرعي من ليس من أهله فقد ظهر في الإسلام أمر عظيم وفُتح باب شر مستطير.
* عضو الجمعية الفقهية السعودية