في الثاني من كانون الأول - ديسمبر 2009م، أجاب معالي رئيس هيئة الرقابة والتحقيق عن سؤال محرر - صحيفة - عكاظ، ونصه: هل ترى أن الوقت يستدعي سرعة تفعيل هيئة مكافحة الفساد؟ وهل تتفقون معنا على أهمية إعلان من يتم ضبطهم باستغلال السلطة والمال العام والتشهير بهم؟
فأجاب معاليه: هيئة مكافحة الفساد أقرت، وما بقي سوى تكوينها وتشكيلها، والأمر في هذا يقدره ولاة الأمر. المملكة العربية السعودية أصدرت ما يربو على (33) نظاماً لمكافحة الفساد، والتشهير والإعلان هو من شأن القضاء. وما أحب أن أشير إليه، أن كثيرين يطالبون بالتشهير في كل مخالفة وهذا مطلب، لكن يقابله مطلب آخر، وهو أن التشهير عقوبة متعدية لا تقتصر على الجاني فقط، وإنما تتعداه لأسرته وأولاده وبناته، وقد يؤثر في جوانب أخرى، فلو شهّر برجل أعمال مثلاً، فإن ذلك سيؤثر في الشركة التي يملكها أفراد من أبناء الوطن، وتنزل أسهمها لأدنى مستوى، فما ذنب هؤلاء؟، لكن الجزاء يقتصر على الجاني، تحقيقاً لقوله تعالى: ?وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى? والتشهير بالجاني محكوم برأي القضاء، وهو من يقدر هذه المسائل، وما تحققه من مصالح، وما تدرأه من مفاسد.
معالي الرئيس.. دعني أصدقك القول: إن ما رأيناه من مشاهد مؤلمة في كارثة جدة، وخسائر اقتصادية وصلت إلى ستة مليارات ريال، هو مؤشر سلبي في حق الوطن، وفي حق المجتمع.
وما ذاك إلا بسبب تفشي الإخلال الإداري الذي عانينا منه كثيراً، مما أثر في التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى على مشاريع الدولة.
مما أدى إلى عدم مواكبة التنمية، وعطل مشاريع الدولة، أو تأخر في إنجازها، وهذا - بلا شك - أثر سلباً في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني. وتأمين الاحتياطات الضرورية للمواطن في النواحي الاجتماعية والبيئية والتعليمية والثقافية والصحية - وغيرها كثير -، والتقليل من حجم هذه الخدمات وجودتها.
ولذا فإن محاسبة من يسيء والتشهير بهم مطلب مهم، كما تفعل في ممارسة التشهير بأصحاب الرشاوى، ونشر صورهم وأسمائهم، وتطبيق العقوبات التعزيرية بحقهم، يجب أن يكون مع الجميع. كما أننا لا نريد البحث عن كبش فداء، أو إصلاح الإجراءات فقط، بل نريد البحث عن ابطال هذه الأخطاء، وإخضاعهم للمساءلة، فهذه الخطوة هي مرحلة العودة للسيطرة على الخلل الإداري، وتحجيم انتشاره.
إن الأمر التاريخي الحازم الذي أصدره - خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - قبل أيام -، لتعيين لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق، بشأن الأحداث المأساوية، التي نتجت عن هطول الأمطار على - محافظة - جدة، وتحديد المسؤولية والمسؤولين (كائناً من كان)، ومحاسبة كل مقصر، أو متهاون - بغض النظر عن منصبه -. يعد بياناً مهماً يحمل مضامين جديدة، ويؤسس لمرحلة متقدمة في مسيرة الإصلاح، ومكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين.
وهو بمثابة دق الجرس لكل من تسول له نفسه العبث بالمسؤولية، والاعتداء على المال العام. انطلاقاً من النظام الأساسي للحكم، الذي أكد أن: (للأموال العامة حرمتها، وعلى الدولة حمايتها).
وأكد أن: (تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ). كما أكد أن: (تتم مراقبة الأجهزة الحكومية، والتأكد من حسن الأداء الإداري.. وأن يتم التحقيق في المخالفات المالية والإدارية). ولم يفرق نظام تأديب الموظفين بين الكبار والصغار، كما لم يستثنِ أحداً كنظام، فإذا حوكم الموظف الصغير وشهّر به، فمن باب أولى أن يحاكم الموظف الكبير ويشهّر به.
عذراً يا وطن.. ففي مسمعي همس الشجن، وكأن حلم الأمس يتحقق اليوم، ويتبدد أمام أعيننا، حين هبت رياح محاسبة ومساءلة المقصرين.
ولا يهمنا إن نسينا عدد السنين، ونحن نفتش عن عدد المقصرين، لتبقى الروح بلا طقوس، تترجم حبنا من أجل هذا الوطن. راجياً ألا تطول مسافة الانتظار، فجذور حبك مجتمعة في قلوبنا، وسيبقى جرحك يا وطن نهاياتنا، حتى ولو أخطأ بعض منا.
drsasq@gmail.com