الحسد آفة وهو متنوع الضروب، متعدد الدروب، مختلف المواقع، متباين الوقائع، ومن ذلك حسد المشتركين في حقل بعينه، رغم أن مجالات النجاح واسعة ومواقعه متعددة، ويمكن أن تحوي الأرض آلاف الناجحين، لكنها النفس البشرية التي تأبى إلا أن تعود إلى ما اعتادت عليه، رغم تهذيب الرسالات السماوية والأخلاق والأعراف الإنسانية، إلا من رحم ربي. وجهاد النفس للتحرر من الحسد جهاد كبير، يتطلب من المرء تمريناً خاصاً وتهذيباً مميزاً؛ ليسعد في نفسه ويترك غيره يسعد في دنياه. فهلا جاهدنا أنفسنا لمحاربته والقناعة بما أعطانا الله من فضائل جمة ونعم كثيرة تستوجب الشكر له والثناء.

جرني إلى أن أورد ما أوردت قصة من قصص المنصور بن أبي عامر حاجب هشام المؤيد الأموي الأندلسي مع فتى يقال له صاعد قدم من المشرق إلى الأندلس وكان على درجة من العلوم، ولا سيما الأدب والشعر والموسيقى.

فقد كان الحاجب المنصور بن أبي عامر يحب مجالسة الأدباء، وذكر له صاعد فأحضره. وذات يوم قدمت للمنصور وردة في غير وقتها ولم يستتم وقت تفتح أوراقها، فلما رآها صاعد قال مرتجلاً:

وأقول:

هل هناك أروع من هذا الوصف لهذه الوردة التي لم تتفتح، فيمثلها بعذراء أبصرها مبصر، لتغطي رأسها بأكمامها.

فسر المنصور بن أبي عامر بوصف صاعد للوردة، وهو الشاعر والأديب.

وكان في المجلس رجل يقال له ابن العريف فحسد صاعداً على قوله، وأخذ منه الحسد مأخذه، ففكر ودبر، فطلب الحديث وقال للمنصور بن أبي عامر: إن هذين البيتين لغيره، وقد أنشدهما أحد المصريين ضمن قصيدة طويلة، والقصيدة عندي بخط يد قائلها، فقال له المنصور: أرني الرقعة. فركب ابن العريف دابته وقد أسقط في يده، فمال إلى دار مجلس شاعر مميز يقال له ابن بدر وكان أحسن أهل زمانه بديهة، فوصف له ما جرى، وقال له: أنقذني فقد وقعت. فما كان من ابن بدر إلا أن قال أبياتاً من الشعر ودس فيها البيتين اللذين قالهما صاعد، ومن ضمن القصيدة:

«يتبع»