Al Jazirah NewsPaper Friday  08/01/2010 G Issue 13616
الجمعة 22 محرم 1431   العدد  13616
 
تجديد الحوار الأمني في أوروبا
جورج باباندريو(*)

 

كان عام 2009 عامراً بالتغيرات العظيمة التي حدثت في جو من انعدام اليقين. فبعد مرور عشرين عاماً منذ سقوط سور برلين، أصبحت مرونة النظام الأمني الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وقدرته على المقاومة على محك الاختبار. فقد ظلت النزاعات التي طال أمدها معلقة بلا حل، ونشأت تحديات جديدة. وأصبحت قضايا مثل أمن الطاقة، والجريمة المنظمة، والإرهاب، والاستبداد والأصولية، وتغير المناخ، وجرائم الحاسب الآلي، تشكل هموماً ثقيلة تقض مضاجع الناس في مختلف بلدان العالم.

لقد أصبح العديد من الناس أقل رخاءً بفعل الأزمة الاقتصادية، وربما أقل ميلاً إلى التطلع والطموح فيما يتصل بجهودنا الرامية إلى التصدي للتحديات الأمنية التي تواجهها أوروبا. ولكن يتعين علينا رغم كل ذلك أن نضع في حسباننا أن الأزمات تجلب معها فرص التغيير أيضاً.

فقد شهد هذا العام أيضاً عدداً من التطورات الإيجابية، بما في ذلك «إعادة ضبط» العلاقات بين لاعبين رئيسيين في الحوار الأمني الأوروبي: روسيا والولايات المتحدة. ولقد اتخذ الاتحاد الأوروبي مؤخراً خطوات مهمة نحو تحقيق قدر أعظم من التماسك والوحدة، وذلك بتعيين رئيس وممثل أعلى للشئون الخارجية.

وينبغي لنا أن نحتفل بهذه الإنجازات حتى ونحن ندرك أن عدداً من المشاكل الخطيرة ما زال في انتظار الحل. هناك وجهات نظر مختلفة بشأن الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها تصميم البنية الأمنية، ولكننا نتفق جميعاً على الحاجة الملحة للتصدي لهذه التحديات الحرجة من خلال الحوار البنّاء.

في ظل هذه الروح من التعاون وبناء الجسور سوف يلتقي وزراء خارجية 56 دولة يمثلون الولايات المتحدة، وكندا، والدول الأوروبية، بما في ذلك الاتحاد الروسي وبقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة - في أثينا في الأول والثاني من ديسمبر/ كانون الأول بدعوة مني لمناقشة مستقبل الأمن الأوروبي. وتأتي هذه المحادثات بمثابة استمرار لعملية «كورفو»، التي أسستها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي بدأت باجتماع وزاري غير رسمي في كورفو في شهر يونيو/ حزيران.

إن عملية كورفو التي هي بمثابة محاولة لتناول القضايا الأوروبية المعلقة تشكل الفرصة لنا للعمل معاً على تقييم الثغرات في أمننا المشترك، وصياغة استجابات أكثر فعالية للتحديات القائمة، وفي المقام الأول من الأهمية توليد الإرادة السياسية الجديدة اللازمة للعمل المشترك. وهذا يتضمن العمل من أجل الحفاظ على أنظمة مراقبة الأسلحة، بما في ذلك المعاهدة الخاصة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا؛ والتعجيل بحل الصراعات المطولة؛ وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ وتقييم ومعالجة التهديدات التقليدية والجديدة.

ولا يسعنا أن نسمح لأنفسنا بتأجيل حل الصراعات المطولة في المنطقة، كتلك التي يشهدها إقليم ناجورنو كاراباخ وإقليم ترانسنستريا، كما أظهرت لنا حرب العام الماضي في جورجيا بوضوح. إن الناس الذين يعيشون في هذه المناطق يحتاجون إلى السلام والاستقرار، وليس الوضع الراهن الهش الذي قد ينهار فجأة ويتحول إلى أعمال عنف.

لا شك أن التحديات الأمنية في المناطق المجاورة أيضاً تتطلب استجابة مشتركة. وليس أدَّل على ذلك من حالة أفغانستان. ومن الواضح أن تهديدات مثل الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، وتغير المناخ، تشكل تحديات معقدة ولا تحكمها حدود. ولن يجدي في التعامل مع مثل هذه التحديات إلا الاستجابة المشتركة.

كان سقوط سور برلين بمثابة النهاية لعصر من انعدام الثقة والفرقة، وفتح الطريق أمام التعاون الذي يهدف إلى جلب السلام والاستقرار إلى أوروبا. ولقد قطعت أوروبا شوطاً طويلاً منذ سنوات الانقسام، ولكننا لم نجنِ بالكامل بعد كل الفوائد التي وعدت بها موجة التغيير التي شهدها عام 1989م.

إن اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أثينا يأتي في وقت حَرِج، حيث بات لزاماً على الأوروبيين أن ينتقلوا إلى القرن الحادي والعشرين وقد أصبحوا أكثر وحدة من أي وقت مضى. ويتعين علينا أن ننتهز هذه الفرصة لاستعادة القدرات الكاملة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتعهد من جديد بالالتزام بنظام أمني أوروبي غير قابل للتجزئة.

(*)رئيس وزراء اليونان ووزير خارجيتها.
خاص بـ(الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد